على خطى مؤسسه، قام حزب الاستقلال بمحاولة لنقد ذاتي لأهم حدث طبع مساره ”وشوّه سمعته”، وهو انتفاضة الريف سنتي 1958 و1959.
ما تزال أحداث الريف أو ما تسمى انتفاضة 1958 و1959 شوكة عالقة في حلق سكان منطقة الريف بنواحي الحسيمة .فقد قوبلت انتفاضتهم بعنف شديد من طرف قوات الأمن المغربية، وأسفرت عن اعتقال وتهجير آلاف السكان، فضلا عن تهميش اجتماعي طال المنطقة.
الحدث ما يزال يدمي قلوب أهالي المنطقة، لكنه في المقابل ما يزال وصمة في جبين حزب الاستقلال الذي طالما اتهمه خصومه بأنه «بارك أعمال القمع» .لهذا وبعد مضي 63 عاما، أحيى حزب الاستقلال، الشهر المنصرم، ذكرى الأحداث الأليمة، وفتح ذراعه بكل شجاعة لاحتضان أعمال ندوة جاءت بعنوان “الندوة الوطنية حول أحداث الريف لسنتي 1958 و1959، استقراء الذاكرة، شهادات رؤى متقاطعة“. وقال خلالها نزار بركة، الأمين العام للحزب، إن اللقاء يبتغي «فتح باب المصالحة الحزبية مع منطقة الريف وكشف ما تسرب لدى البعض من تحامل على الحزب نتيجة العديد من المزاعم والادعاءات بشأن مسؤولية الأحداث». وأعرب عن استعداد الحزب للاعتذار من ساكنة المنطقة إن تبثث تلك الادعاءات.
ومن جهته، نبّه نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب وابن الحسيمة، إلى أن الحديث عن أحداث الريف وإدراج حزب الاستقلال، يستوجب كذلك إدراج حزب الاتحاديين، في إشارة منه إلى المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وممن كانوا في قيادة حزب الاستقلال، وبالتالي فالكل مسؤول ولا يجب الوقوف عند «ويل للمصلين»، وفق حديثه.
الندوة امتدت لست ساعات من النقاش الغني حول التاريخ الراهن للمغرب .وهو نقاش دائما ما غاب عن برامج الأحزاب السياسية وأنشطتها، إذ نادرا ما ينظم حزب ما ندوة حول حدث يهم فترة حرجة للبلاد، ناهيك عن حدث يمس سمعته. وهذا ما نوه به الحاضرون، ممن لا ينتمون إلى الحزب، وقدموا رأيهم العلمي والبحثي وإشاراتهم النقدية بكل أريحية.
وتكمن أهمية الندوة، كذلك، في نوعية الحضور والمشاركين؛ فعلى رأسهم ثلة من المؤرخين والمتخصصين: جامع بيضا ومحمد معروف الدفالي والمؤرخ مصطفى بوعزيز وميمون ميموزا، وسعيد بنسعيد العلوي، وبنعمر راشد ..لكن تعذر عن آخرين أو “امتنعوا“ بتعبير مضيان، عن حضور اللقاء لـ“دواعي تاريخية“ وربما سياسية.
ويبقى التساؤل عن مبادرة الحزب ومحاولة ربطها بالاستعداد للانتخابات المقبلة «ولو على حساب التاريخ» واردا ومشروعا، بالرغم من كونه غير ذي أولوية بإزاء ما تضمن الندوة من معطيات ومعلومات تاريخية تناولها الحاضرون بكل شجاعة وأمام مرأى ومسيري الحزب، ونقلت على الهواء مباشرة .وبالتالي، هل ستأتي الندوة أكلها في استحقاقات ،2021 وهل بالفعل سيتجاوب سكان المنطقة مع مبادرات الحزب ويقبلوا نقده الذاتي؟ ربما ستجيبنا نتائجها المحلية (والتشريعية) هذه السنة، أو ربما لا. لكن الأهم أنها مبادرة قد تفتح مسارا جديدا لمبادرات أخرى تتصالح مع تاريخنا الاجتماعي والسياسي الحرج.