ليس سهلا أن أقول لكم وداعا أيها المغاربة، بعد كل هذه الأحداث المثيرة والعجيبة التي عشتها معكم، والتي شاب لها رأسي، الذي تركتم تحتفلون به. وما أصعب فراقكم صراحة، لكن دوام الحال من المحال، وهذه هي سنة الحياة، وقد كان لزاما علي أن أجمع أغراضي وأيامي وشهوري وأنسحب، مفسحة المجال لسنة 2018. وكم تمنيت أن أمضي معكم وقتا أكثر، وأن يكون عمري أطول، بعد كل هذا الحب الذي غمرتموني به، وهذه الحفاوة التي استقبلتموني بها، كما لو أني عشت معكم قرنا. وما أثلج صدري، هو أني كنت فأل خير عليكم، وقد قال لي العام الذي سبقني، في اتصال أجراه معي، إنه لم ير المغاربة سعداء إلى هذا الحد، وراضين عن أوضاعهم، كما كان حالهم معي، ولم يرهم ينتفضون ويطالبون بالشغل، وتصيب مدنهم عدوى الحراك، كما حدث أثناء تواجدي بينهم. ومن شدة غبطتكم، وتكريما لوجودي بينكم، كنتم لا تفوتون أي فرصة للخروج من منازلكم في الحسيمة، وكنتم تتجمعون في الساحات، وتغنون، وترقصون، وترفعون الشعارات، كطريقة منكم لتوجيه الشكر لي على كل هذا الفرح الذي منحته لكم.
ولم تكتفوا بذلك، بل جعلتم مني سنة وفرة وخير عميم، وخرجتم في زاكورة تشتكون من العطش، احتفالا بي، ولتشربوا على نخبي، كما فعل سكان الريف، معرضين أنفسكم للمخاطر وللمحاكمات.
ولا تعلمون مدى تأثري، وأنتم تحاولون إقناعي بكل الوسائل أن لا أذهب، وأن أبقى معكم، ثم وأنتم تقترحون علي أن أحل ضيفة بينكم، وأن أقطن معكم، ثم وأنا أرى صغاركم يتشبثون بأذيال دجنبر، بينما الكبار يخبرونني أنهم سيشتاقون إلي، وسيفتقدونني. وفي اللحظة التي كنت أجمع فيها أغراضي، استعدادا مني للرحيل، كنتم تصرون وتلحون علي، وتغرونني بالبقاء، لكنكم وكما تعلمون، فإن الأمر ليس بيدي، ولو كان الحال كذلك، لاستجبت لأهلكم في مدينة جرادة، الذين لم يدخروا جهدا، واحتفوا بي، وخلدوني، وأدخلوني إلى التاريخ من أبوابه الواسعة، وخرجوا عن بكرة أبيهم يشكرونني على ما قدمته إليهم، ويرجونني أن أمدد إقامتي بينكم، ولو لشهر واحد إضافي.
وقبل أن أسلم المشعل لسنة 2018، وحين كنت أعد دقائقي الأخيرة، استعدت شريط حياتي كاملا، وبدا لي طويلا وحافلا كأنه الدهر كله، وليس مجرد 365 يوما، ودون أن أجاملك أيها الشعب المغربي العظيم، فإنه لم يكن يخطر ببالي أبدا، أنه بإمكانكم أن تعيشوا نصف حياتي، أي أكثر من ستة أشهر، وأنتم دون حكومة، وكم كنت سعيدة، لأني كنت شاهدة على هذه المعجزة، وقد أدهشني فعلا تعامل دولتكم مع الوقت، ومع الشهور والأيام، وأنكم لستم في عجلة من أمركم، وما زاد في حيرتي واستغرابي، أني ظللت لآخر لحظة، أنتظر التعديل الحكومي، وتعويض الوزراء الذين تم إعفاؤهم، والتعرف على أسمائهم، ولولا أن الوقت يدهمني، وعمري محدود، وأيامي محسوبة، والسنة المقبلة تضغط علي، كي أفسح لها الطريق لتدخل، لكنت أمضيتم معكم أياما إضافية، حتى أرى بأم عيني ماذا ستفعلون، وأفهم سبب كل هذا التأخير، كما أني كنت أتطلع لمعرفة الطريقة التي ستحلون بها مشاكلكم، وكيف ستدبرون أزماتكم التي لم تكن تنتهي في الفترة التي قضيتها معكم، لكني أعدكم أني سأبقى وفية لكم، وسأتابع أخباركم، وأنا مستلقية في منتجعي بالتاريخ القريب. وقد يلومني بعض العدميين منكم، ويعتبرونني سنة قحط، واحتجاجات لا تتوقف في مدينة، حتى تبدأ في أخرى، وأنه في أيامي ماتت خمس عشرة مغربية نواحي الصويرة، وهن يتزاحمن من أجل الحصول على كيس طحين، وقد تكرهني السلطة، لأنها لم تغمض جفنيها وأنا موجودة، لكني متأكدة أنكم لن تنسوني أيها المغاربة، ومعي تأهلتم إلى مونديال روسيا، وهو إنجاز لم تحققوه منذ عشرين سنة، وأي مغربي غير متحامل، لا شك سيعترف بفضلي، وهي بمناسبة لأخبركم، أني سأتفرج في مبارياتكم، وأشجعكم، أنا وباقي السنوات الماضية، في منزلنا الكبير الذي خصصه لنا الزمن لنسكن فيه، ولو كان بمقدوري أن أكون معكم، لما ترددت لحظة في ذلك. كما أن لي شرف كوني كنت شاهدة على حمل دنيا باطما وإنجابها، وعشت معكم وتابعت أخبار بطنها وخصوماتها التي سارت بذكرها الركبان، وعاصرت نهاية حميد شباط، التي سيذكرها المؤرخون مرتبطة باسمي، وفي أيامي فزتم بأرفع جائزة أدبية في فرنسا، وبكأس إفريقيا للأندية البطلة، وكان لكم فخر اكتشاف جمجمة أقدم إنسان عاقل في العالم نواحي اليوسفية، ما يعني أن عقلكم راجح، على عكس ما كنتم تظنون، في وكل هذا لم يحدث في أي سنة قبلي، وربما لن تنعم به سنة بعدي. لكن لا تنسوا أن تراسلوني، وتخبروني ماذا فعلتم في جرادة، وفي ملف الريف، ولو إس إم إس، ولو رسالة قصيرة في الفيسبوك، فأنا الآن بعيدة عن الحاضر، ووضعكم يشغل بالي كثيرا يا أحبابي المغاربة، وقد أحببتم، ومن خلال معاشرتكم، اقتنعت أنكم طيبون، وتستحقون الأفضل.
حميد زيد