«في الصباح الباكر ليوم الأربعاء 2 يونيو ،2021 زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مصحوبا بالجنرال سعيد شنقريحة رئيس أركان القوات المسلحة الجزائرية، رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي» .نُشرت هذه القصاصة مرفقة بتسجيل فيديو يوثق للزيارة إياها. رئيس بدون ماض يذكر يقوم بزيارة رئيس هارب من العدالة. فجأة أصبح للرئيس تبون أهمية عندما جاء مدفوعا من طرف الجنرال الذي أملى عليه الخطاب، وجاء لمراقبة مدى حفظه له وهو يردده على مسامع رئيس يحتضر أو يكاد، رئيس لا ندري من هو بسبب الهويات المتعددة التي ألبست له. فجأة يحس تبون أنه قامة سياسية دولية.
يلح الرئيس، صنيعة الجنرال، على أن ما يقوله هو رأي السيد القائد العام. ذات الجنرال الذي لا نراه لأنه كان يضع قناعا، ولا نسمعه لأنه لم ينبس ببنت شفة .«أنت في بلدك»، يقول القائد متوجها لغالي. فعلا، إن الرئيس التكنوقراطي لم يفهم معنى هذه الجملة .إن محمد بن بطوش وليس غالي الذي هو في النهاية اسمه الحركي، جزائري وليس مغربيا ولا صحراويا حتى.
إن الذي كنا نظن أنه صحراوي من ناحية الرحامنة بالمغرب، اتضح أنه جزائري مدسوس بين رفاقه المفترضين بجبهة البوليساريو للتجسس عليهم.
إنه بالفعل في بلده، وتدعم هذا الطرح وثيقة جواز السفر والاسم المثبت عليها بن بطوش الذي هو من جنسية جزائرية، بل أكثر من ذلك دبلوماسي جزائري .لدي شخصيا اختلاف سياسي عميق مع المسمى إبراهيم غالي، لكن صَعُبَ علي أن أقبل أن يُهانَ صحراوي بتلك الطريقة، لأنه وبالرغم مما يحدث فإنه يمثل شريحة من مواطنينا المحتجزين بتندوف. كيف يعقل أن يأتي تبون ويتكلم مع مناضل صحراوي بتلك الطريقة المتعالية، بينما هو رئيس بدون مجد يذكر، له عقدة مع مشروعية انتخابه. لقد حصل على ثمانية وخمسين بالمائة فقط من أصوات الأربعين في المائة ممن شاركوا في التصويت، دون الحديث عن عدد الأصوات الملغاة وفق الأخبار الرسمية .بهذه الطريقة، يقر إبراهيم غالي وهو المتدثر بعباءة بن بطوش، يقر لمن ما زال ينكر ذلك أنه أصبح تماما كعبد المجيد تبون دمية في يد طغمة الجيش الجزائري. لماذا ألحت سلطات العسكر الجزائري أن تظهر غالي في صورة حَاطَّة من الكرامة ومثيرة للسخرية؟ هل الصورة المهينة التي نشرتها التلفزة الجزائرية عن إبراهيم غالي، وقد وضعت الأنابيب في أنفه، وهو يتلوى في فراش المرض، تريد أن تقول إن زعيم البوليساريو أصبح من الآن فصاعدا بن بطوش الجزائري وليس إبراهيم غالي رئيس مجموعات تندوف؟ وإلا ماذا تعني هذه الجملة «أنت في بلدك»، وبعد أن نظر جهة الجنرال القائد كمن يطلب الموافقة، قال الرئيس في لهجة شعبية جزائرية بعيدة عن الدبلوماسية «على كل حال أنا اللي عجبتني وعجبت حتى السيد الفريق أنك امتثلت للعدالة الإسبانية». هل هكذا في الأعراف الدبلوماسية، يمكن لرئيس جمهورية أن يخاطب زميلا له رئيس جمهورية أخرى (ولو وهمية) من المفروض أن يكون في نفس مستواه؟
رئيسان بدون هوية رئاسية، فرض عليهما القيام بدورين وأدياهما بتفان كبير أمام الجنرال القائد الذي بقي ثابتا لا يتحرك وصامتا كالحجر الصلد، ووراء صمته يدفن سر إخراج المهزلة وواضعي سيناريوهاتها.
من الذي يريدون إهانته؟ كانوا يعلمون أن غالي متابع قضائيا بإسبانيا، ورغم ذلك أرسلوه إلى المشنقة بدعوى التداوي من كورونا. ورغم كشف المخابرات المغربية لسر وجوده بالجزيرة الإيبيرية، لم تنطق السلطة الجزائرية حينها بجملة مثل تلك التي أطلقها عبد المجيد تبون وهو يمجد شجاعة زميله غالي عندما ادعى أنه قدم نفسه للقضاء .طيلة شهر كامل، حيث كان غالي يتابع العلاج وعوض أن تشرح للجميع أنه سوف يتقدم للقضاء، وأن ذلك لا يخيفه، فضلت السلطة الجزائرية أن تختبئ وراء الصمت، صمت الجنرال شنقريحة. والأدهى أن السلطة العسكرية فكرت أكثر من مرة أن تهربه وكأنه تاجر مخدرات يهرب من طرف عصابته. كل هذا حدث ليأتي الرئيس تبون في الأخير يربت على كتفه ويهنئه على شجاعته.
ليس إبراهيم غالي إلا دمية، لكن الإهانة موجهة بالأساس إلى صحراويي تندوف.
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير