وجد المغرب نفسه مؤخرا أمام زوبعة دولية بسبب اتهامه بالتجسس على هواتف شخصيات سياسية حساسة، في مقدمتها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا الأمر يحيلنا للحديث عن تاريخ التجسس بين البلدين.
يعتبر بعض الباحثين والمختصين في العلاقات الدولية أنه بالنظر لطبيعة العلاقات بين الدول الصديقة، فإن التطلع لمعرفة المزيد عن الحليف تفرض أحيانا «عمليات التجسس بمختلف الطرق». وبالرجوع إلى دروس التاريخ، فإن هذه الغاية كانت غالبة على علاقات البلدان وإن تغيرت الوسائل والآليات. بالوقوف عند هذا العامل، أي العلاقة التاريخية التي جمعت البلدين: والمغرب، فإن آلية التجسس لم تكن كذلك غريبة عن الطرفين. ففرنسا قبل أن تفرض حمايتها على المغرب وشمال إفريقيا كذلك، استغلت وسائل الجاسوسية لمعرفة خبايا الإيالة الشريفة. ودأبت فرنسا على أساليب «الجاسوسية المتقدمة» مبكرا، إذ أحدثت منذ القرن السابع عشر الميلادي، جهازا أسمته «الغرفة السوداء» والذي كان يعطي لنفسه الحق في فتح الرسائل البريدية المشكوك فيها. وفي سنة ،1809 أحدث نابليون الأول أول جهاز سري مدني سماه «لواء الأمن» .لكن وبعد احتلالها للجزائر سنة ،1830 ستزيد فرنسا من وسائل الجاسوسية الخارجية حينما وضعت صوب أعينها التغلغل في المغرب، فضاعفت من بعثاتها إلى الإيالة الشريفة بغرض جمع المعلومات ذات الطبيعة الجغرافية والاجتماعية تحت غطاء الاكتشافات والرحلات العلمية.
وبعد هزيمتها أمام ألمانيا (بروسيا)، أسست فرنسا سنة ،1871 أول أجهزتها السرية، أطلقت عليه اسم «قسم الإحصاءات والتقديرات العسكرية». وسيكون لهذا الجهاز، دور تنظيم عمليات الاستخبار في ربوع المغرب والتمهيد لإخضاع المخزن والسلطان .في هذه الفترة، ستظهر كتابات “على شكل تقارير مفصلة“، تصف المغرب وجغرافيته وطبيعته السكانية في الجبال والسهول، في مقدمتها مؤلفات أوغيست مولييراس وشارل دوفوكو، التي شكلت بنك معلومات للسلطات الفرنسية المقيمة بالجزائر.
في المقابل، لم يكن المخزن غافلا عما تقوم به الدول الأجنبية على أراضيه، فكان بدوره يوظف عماله للتجسس ومراقبة أصحاب الحماية والمشكوك في أمرهم من ذوي الجنسيات الأجنبية. وكانت الدولة السلطانية ترسل مبعوثيها لتكوين صورة عن الدول الأجنبية التي تتعامل معها.
لم يكن المغرب بطبيعة الحال قادرا على منافسة أكبر الإمبراطوريات الأوربية من ناحية الخبرة في التجسس، لكنه على الأقل كان يتوفر بدوره على جواسيس ضمن العاملين المغاربة في المفوضيات وسفارات الدول الأجنبية.