أضحى المغرب، مؤخرا، رهين عوامل خارجية وداخلية، في مقدمتها تقلبات السوق الدولية وكذلك التقلبات المناخية .لكن بإزاء هذه الأوضاع، ظهرت أصوات غاضبة منددة بسوء التدبير الحكومي لهاته الأزمات.
لم تكد الظروف التي خلفتها جائحة كورونا تنتهي حتى ظهرت أزمات أخرى، جعلت المغرب تحت رحمة التقلبات المحلية والدولية .فبسبب ظروف الجائحة، عانى الاقتصاد الوطني من تراجع تجندت الحكومة المغربية من أجل التخفيف من آثاره، ثم ظهرت أزمة أخرى دولية أثرت في “الاقتصاد المتعافى“، هي أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، التي جعلت أسعار النفط تتقلب بين ليلة وضحاها، ثم توالت أزمة أخرى تمثلت في الجفاف الذي ضرب المملكة السنة الفارطة، والذي تسبب في أضرار مادية كبيرة تتعلق بمأكل ومشرب المواطن واستهلاكه اليومي.
وبحسب الحكومة المغربية، فإن كل هذه العوامل والتقلبات المناخية والدولية تحكمت في ما أضحى يعرف بغلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية .لكن هل هذا سبب مقنع في استمرار ارتفاع الأسعار؟ وصلت أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية إلى مستويات لم يشهدها المغرب من قبل، كالمحروقات التي ما تزال مرتفعة .تقر بعض الأطراف بتأثير هذه العوامل، لكنهم يرجحون السبب يكمن في سوء تدبير الحكومة لهاته الأزمات رغم تواليها، في مقدمة هؤلاء المعارضة البرلمانية التي تكاد تجمع على وجود «احتكار وتواطئ» بين بعض المسؤولين في القطاعات المعنية، وبين شركات تجني وراء هذه الأزمة أرباحا طائلة. ويمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال، شركات المحروقات، بحيث طالبت المعارضة نفسها بضرورة تحرك مجلس المنافسة وإذعان الحكومة لمخرجاته وتوصياته حسب ما يخوله القانون لهذا المجلس.
أما بخصوص المواد الغذائية، فقد ارتفعت أثمنة اللحوم والدواجن والخضراوات هي الأخرى بشكل غير مشهود، مما تسبب في ارتفاع حدة الغضب بين فئات معوزة واسعة، بل حتى الطبقة المتوسطة أضحت متضررة منها. لذا دعت بعض النقابات العمالية، في مقدمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى احتجاجات واسعة وإضراب وطني عام، للتنديد بعجز الحكومة عن القيام بأدوارها، مما “اضطر“ الأخيرة إلى الخروج إلى الواجهة والقيام بعمليات ميدانية لمراقبة الأسعار .وبالفعل أثمرت العملية، ولو بشيء قليل، عن انخفاض أسعار بعض المواد. لكن ما الذي استنتجه المتابعون؟ لاحظوا أن هناك خللا، أو بالأحرى فسادا ينخر عمليات البيع، بالتحديد لدى الوسطاء بين المزود (الفلاحين، الأسواق الكبرى) وبين المستهلك.
في النهاية يبقى التساؤل: هل ستؤدي هذه الأسعار والظروف التي لم يشهدها المغرب منذ زمن بعيد إلى احتجاجات لم يشهدها المغرب كذلك، كما تخبرنا دروس التاريخ وعِبره؟ وعدت الحكومة أنها ستقف في وجه هذه الأزمات، وستحدث لجان مراقبة داخل الأسواق ومحاربة المضاربات والاحتكار. لكن العديد من المحتجين يتوقعون استمرار الاحتقان والتوتر ما دام الارتفاع ملموسا، وهم غير قادرين على التأقلم معه.