منذ عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، ركزت فرنسا على أحد الجوانب التي تجمعها بالمغرب، وهو الجانب الاقتصادي، إذ انفتحت شهيتها أكثر على الاستثمار بشراكات وفي مجالات أوسع.
في الوقت الذي ذهبت فيه تقارير وتحليلات بالقول إن المغرب يتجه إلى التخلي عن بعض الشركات الفرنسية التي أثقلته منذ عقود الاستقلال، اتضح في الشهور الأخيرة أن الأمر ليس ما يبدو عليه. فمثل تلك الآراء استندت في معظمها على سياق الأزمة الدبلوماسية التي كانت تعصف بين البلدين. إلا أن هناك بعض المؤشرات التي ربما غيرت من سياسة فرنسا تجاه المغرب. منذ عودة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا إلى سابق عهدها، بدت بوادر انفتاح جديد على المستوى السياسي والاقتصادي، فمن جهة، عيّن المغرب سفيره بفرنسا بعد شغور المنصب لحوالي سنة كاملة، ولم يكن السفير غير سميرة سيطايل التي أثارت الجدل قبل ذلك، بتصريحاتها المدافعة عن المملكة خلال محنة الزلزال داخل القنوات الفرنسية، وهو حدث بالمناسبة –أي الزلزال– كشف عن بعض جوانب الأزمة، حيث رفض المغرب المساعدات المعروضة عليه من بعض الدول، في مقدمتها فرنسا. من جهته أيضا، وبعد أشهر قليلة، بعث قصر الإيليزي، في فبراير الأخير، وزير خارجيته ستيفان سيجورني للقاء نظيره ناصر بوريطة بالرباط، وقد أعرب خلال اللقاء عن نية فرنسا المضي قدما لدعم المغرب في مقترحه حول الصحراء المغربية المتنازع عليها. هاته القضية التي أضحت منظار المغرب ومعياره في ما يخص علاقاته الخارجية، أتت أكلها؛ إذ سار وزير التجارة الخارجية فرانك ريستير على درب زميله، حيث قال إن الاستثمار والتعاون الاقتصادي يعززان عودة العلاقة بين البلدين، لا سيما الاستثمار في الأراضي الصحراوية جنوب المغرب. وبعد أن سمحت الحكومة الفرنسية لشركتي “بروباركو“ و“بي إف فرانس“ للاستثمار بالمغرب، غرد المدير الإقليمي لشركة “إنجي شمال أفريقيا“ لويك هوبر، معربا عن فرحته واصافا الحدث بالتاريخي، وبأن «تمويل مشاريع بجهة العيون الساقية الحمراء والداخلة واد الذهب، سيفتح حقبة جديدة للتعاون من أجل تنمية المنطقة الصحراوية». وفي أبريل الماضي، أعرب بدوره وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، خلال افتتاح أشغال المنتدى الاقتصادي المغربي–الفرنسي، إن بلاده تتمنى فتح شراكات استثمارية مع المغرب بخصوص المشاريع الممكنة استعدادا لاحتضان كأس العالم .2030 وأضاف أن المستثمرين الفرنسيين يراهنون على التعاون والشراكات مع المغرب في مختلف المجالات، لا سيما الطاقة النظيفة والهيدروجين. أما في باريس، وخلال ندوة بمجلس الشيوخ الفرنسي، فقد سلط ثلة من الشخصيات والمسؤولين والنواب والأكاديميين الفرنسيين، شهر أبريل، الضوء على تطلعات شراكة فرنسية مغربية رائدة. كل هذه مؤشرات وقرائن تؤكد أن فرنسا ما تزال تجد في المغرب وجهتها الاستثمارية وشريكها الاقتصادي المفضل، وهي دلائل أيضا تؤكد أن الاستثمار الأجنبي، لا سيما الفرنسي، بالمناطق الجنوبية يزيد من قلق القادة في الجزائر. لكنها مؤشرات تعزز موقف المغرب تجاه قضيته الكبرى.