نشأ كاريان ابن مسيك بالدار البيضاء، أكبر حي صفيحي بالمغرب، في ظل ظروف ومتغيرات اجتماعية واقتصادية، واكبت التدخل الأجنبي الذي كان مسؤولا مباشرا عن ظهوره وتضخمه، مما أفرز أوضاعا اجتماعية بئيسة جعلت السحر ينقلب على الساحر.
استأثرت مدينة الدار البيضاء، في مستهل القرن العشرين، بجاذبية خاصة أسهمت بدور كبير في استقطاب الكثير من المهاجرين المتهافتين على ما أتيح لهم من فرص للاندماج في حياة صاخبة، انعكست ملامحها الجديدة عليهم، فتسارعت، تبعا لذلك، وتيرة الهجرة، مما أحدث احتقانا سكانيا غير مسبوق. لم تكن نشأة كاريان ابن مسيك منذ البداية بشكل عفوي، فعلى خلاف الانتشار التلقائي لبعض الأحياء الصفيحية التي ظهرت بالدار البيضاء، فإن كاريان ابن مسيك شذ عن هذه القاعدة، حيث اعتبر من الأحياء التي خططت لها إدارة الحماية الفرنسية، التي كانت ترغب في تأسيس نواة لسكن بمواصفات خاصة، يمكنه استيعاب سكان الأحياء الصفيحية التي انتشرت في مركز المدينة، محدثة تشوهات واضحة في هيأتها العمرانية. تشكلت النواة الأولى لكريان ابن مسيك بمحاذاة حي الحبوس بالدار البيضاء، وذلك مع انصرام العقد الثاني من القرن العشرين. لم يكن موقع هذا التجمع السكني ثابتا، ولم يجمع بين المقيمين فيه إلا كونهم هاجَروا طوعا أو هُجِّروا كرها من مواطنهم الأصلية، تحت إكراه الفاقة التي ألمت بهم، والعوز الذي اضطرهم إلى الانتشار في الأرض بحثا عما يسد الرمق. لقد وفد على كريان ابن مسيك، منذ بناء أولى “البراريك“ به، جموع غفيرة من البدو الذين تركوا أراضيهم، بعد ما أحدثته الرجات الاجتماعية والاقتصادية التي أفضى إليها التدخل الأجنبي، عندما أسس لأنماط وقواعد إنتاجية غريبة، أنهكت البوادي المغربية وأفقرتها، فقد انْتُزعت الأراضي من الفلاحين المغاربة الصغار، وخاصة نواحي “بني مسكين“ وبلاد “المذاكرة“ ومنطقة “أمزاب“ وسائر جهات “الشاوية“، فأضحى الكثير منهم يشتغلون لحساب غيرهم خدما مأجورين في أرضهم التي كانت ملكا لهم في يوم من الأيام.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»