إن كانت الحواس البشرية أكثر من خمسة، لكان الضحك سادسها، لأنه من ميزات البشر، دون غيرهم من الكائنات الحية. هذا يعني أنه ضرورة إنسانية وطبيعية.
للضحك وظائف كثيرة ومتشعبة. إنه أولا غريزة ووظيفته التلقائية هي الترفيه. أي التسلية والتخفيف من حدة وروتينية الحياة اليومية. والضحك لدي الرضيع والطفل الصغير تعبير عن الرضى والبهجة والسرور. هو مرآة داخلية لا تتوقف عن العمل، تعكس الانطباع الداخلي دون حاجة إلى الكلام. للضحك وظائف أخرى يغلبها طابع الجدية. فمن خلال الضحك أو النكتة، يتقمص الكبار شخصية الصغار لتمرير رسائلهم وانتقاداتهم، عن طريقة واعية أو العكس تماما. وإن كان المثل الشعبي يقول إن السكوت علامة الرضى، فالضحك غالبا ما يكون علامة ودلالة السخط وعدم الرضى. وهذا المفهوم هو السائد في المجتمعات التي يغلبها الطابع الشفوي و“العفوي“ كما هو الحال في المغرب. فالضحك يصبح نكتة، أي كلمة تتناقل بين الناس، ذات معنى ومغزى، يطغى عليها طابع السخرية، وتتداول بامتياز في التجمعات الشعبية كالأسواق الأفراح و“الحلقات“؟…
النكتة إذن أداة لجس نبض المجتمع ولقياس ما يجري بداخله. النكتة وبالرغم من “فطرتها“ لا تأتي من لا شيء وليست عبثية. لها “ميزان“ و“حرارة“ معينة. وتكمن قوتها في سرعة انتشارها، وسهولة التوصل إليها وفهمها: فهي للعامة، للجميع، الكبير والصغير، المتعلم والأمي، الحاكم و“الرعية“ .ولا أب ولا أم لها. هي منتوج جماعي ومجهول المصدر، يتولد من حيث لا ندري، أو بمعنى أدق من الوعي الجماعي والعقل الباطني للمجتمع.
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 117 من مجلتكم «زمان»