في ساعة متأخرة من ليلة يوم الجمعة، السابع من أكتوبر، عام ،2016 أعلن وزير الداخلية محمد حصاد عن النتائج شبه النهائية للانتخابات التشريعية .وقبل ذلك، وحوالي التاسعة مساء، من نفس الليلة، ظهر بنكيران يقهقه في مقر الحزب بحي الليمون، وعلامات الفرح بادية عليه، بينما الأخبار السارة تصله تباعا، وعلى بعد مسافة منه، وفي طريق زعير الهادئة تجرأ مناضلو الأصالة والمعاصرة لأول مرة وحملوا إلياس العماري على الأكتاف، وهم يهتفون باسمه، محدثين صخبا وضجيجا، أثار انتباه علية القوم، القاطنين في الفيلات المجاورة.
أما حميد شباط، فقد كان منتشيا بعدد المقاعد المحصل عليها، ولا يترك الفرصة تمر إلا وهو يوزع التحايا على الاستقلاليين المتجمعين في باب العزيزية، ويبتسم لهم من تحت شاربه، وفي لحظة من اللحظات، رن هاتفه، وضحك حتى بدت نواجذه، ولم يتمالك نفسه، حتى عانق عبد القادر الكيحل، وانتقل ليبشر عبد الله البقالي، بفوزه في العرائش، تاركا خبر استرجاع قلعة فاس كمفاجأة، ليعلن عنها أمام جمع من الصحفيين وغابة من ميكروفونات المواقع الإلكترونية . كل الأحزاب الكبيرة أثنت على نزاهة الانتخابات وشفافيتها، واحتفلت بالمقاعد التي حصلت عليها، وبشكل مفاجئ، توقف بنكيران عن قصف إلياس، كما لمح الأخير إلى إمكانية التحالف بينهما لتشكيل الحكومة المقبلة، من أجل مصلحة الوطن، مع إشارات مشابهة صدرت عن غريمه رئيس الحكومة المنتهية ولايته، ولاقت استحسانا وتصفيقا من الوزراء وبرلماني العدالة والتنمية الذين كانوا يحتلون الصفوف الأمامية في مقر الحزب بشارع الليمون.
وفي مكان آخر، وفي نفس الليلة، بحي الرياض، شارع العرعار، رقم ،9 كان مقر حزب الاتحاد الاشتراكي فارغا، إلا من بعض الوجوه المعدودة على رؤوس الأصابع، وفي الوقت الذي وصل فيه بعض الصحفيين، لم يعثروا على أحد باستثناء الحراس، حيث كان إدريس لشكر قد انسحب متسللا قبل دقائق، وتبعه بعد ذلك المقربون منه. معظم مقرات الأحزاب في العاصمة صاخبة وضاجة، إلا مقر الاتحاد الاشتراكي، الذي بدا لصحفي زاره وكتب عنه في موقعه صباح الثامن من أكتوبر «مثل مقبرة من زجاج، يطوقها صمت رهيب ومفزع، ولا يسكنها إلا الأشباح».
وفي ظهيرة يوم السبت، ثامن أكتوبر، نقلت الأولى و“دوزيم“، مباشرة من وزارة الداخلية، الوزير حصاد وهو يعلن عن النتائج النهائية، ليتأكد رسميا أن الاتحاد الاشتراكي احتل الرتبة الثامنة، متقاسما إياها مع فيدرالية اليسار، خلف الاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية، وهي أول مرة في تاريخ الانتخابات المغربية، التي يتقدم فيها حزب الراحل علي يعتة على رفاقه الألداء. لم يتحدث بنكيران عن التحكم، واسترسل في بعث الإشارات، والحديث عن أن اليد الواحدة لا تصفق، وأن المغرب محتاج إلى كل قواه الحية، وأن لا صداقة دائمة ولا خصومة دائمة في السياسة، وأن مصلحة الوطن تستدعي تضافر الجهود، في زمن أصبحت فيه الإيديولوجيات من مخلفات الماضي. كل الصحفيين الذين حاولوا الاتصال بإدريس لشكر، كتبوا في مواقعهم أن هاتفه ظل يرن دون جواب، كما لو أنهم اتفقوا على ذلك، قبل أن يظهر الحبيب المالكي، الذي صرح ليومية مغربية ذائعة الانتشار، ونقلت كلامه في صفحة داخلية، وفي خبر صغير، لا يرى بالعين المجردة، وخال من أي صورة، أن الكاتب الأول يتحمل كل المسؤولية، وأن الاتحاد الاشتراكي أكبر من أن يتحكم فيه شخص مهما كان، مهنئا أحزاب الأصالة والمعاصرة، والعدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، والأحرار، والحركة الشعبية. كل تلك الحدة التي طبعت الحملة الانتخابية، والتنابز بالألقاب والجدل الذي سبق الانتخابات التشريعية بأشهر، والعداوة الظاهرة والقطيعة بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، صار اليوم جزءا من الماضي، فقد نقل موقع تابع لإلياس خبرا عاجلا عن لقاء تم في بيت بنكيران، جمع هذا الأخير بشباط وبنعبد الله ومزوار وممثل عن الحركة الشعبية وإلياس نفسه، في ما اعتبره الموقع، لقاء أول للأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي المقبل.
وفي الساعة الخامسة، تداول اتحاديون غاضبون في فيسبوك، خبر اقتحام لمقر الحزب الفارغ في العرعار، مع صور تؤكد على ذلك، دون مقاومة تذكر، وفي غياب تام للحراس، وللأمن الخاص، قبل أن يتدخل رجال الأمن، ويعتقلوا عددا من الاتحاديين، الذين كسروا الزجاج، وداسوا على صورة الكاتب الأول. ومن بين الاتحاديين الذين تم اعتقالهم، محمد بوبكري، الذي نقلت بعض المواقع، أنه تم نقله إلى المستشفى، بعد أن تأزمت وضعيته الصحية، ومباشرة بعد الإفراج عنه، عاد مرة أخرى إلى الاحتجاج أمام المقر. ورغم ذلك، لم يظهر لإدريس لشكر أثر، ولا لأي أحد من أنصاره، وفي يوم الأحد 9 أكتوبر، بدأ بعد الأتباع يعلنون عن معارضتهم له، ويأخذون مسافة منه، ويحملونه كل المسؤولية على المصير الذي آل إليه حزبهم.
وحينما سئل إلياس عن اختفاء لشكر واقتحام مقر الحزب، أجاب بأنه شأن داخلي بين الاتحاديين، بينما تأسف بنكيران وتحدث عن تاريخ الحزب ونضاله في الماضي، قبل أن ينصرف ويلتحق بشباط وإلياس ومزوار من أجل التقاط صورة تخلد هذه اللحظة، والمعلنة عن تحالف حكومي جديد، وصفحة جديدة من تاريخ المغرب السياسي.
وفي يوم الاثنين التحق الموظفون بعملهم، والمعلمون والتلاميذ بمدارسهم، في حين ظل الصحفيون يتصلون بلشكر، ويكررون الاتصال برقمه، بينما لا أحد على الجهة الأخرى من الخط. وبشكل غير متوقع لم تظهر جريدة الاتحاد الاشتراكي في أكشاك المملكة، ولم يعرف أحد السبب خلف احتجابها عن الصدور، لكن الجميع كان متأكدا أنها لم تتعرض للمنع، كما كان يحدث لصحافة الاتحاد الاشتراكي في وقت سابق، وأن الأمر يتعلق بأسباب داخلية، وبأزمة مفتوحة على مستقبل مجهول.
حميد زيد