أعادت محاولات الهجرة الجماعية عبر مدينة الفنيدق النقاش حول هذه الظاهرة في المغرب، ما بين دوافعها الاجتماعية والاقتصادية وما بين حدودها القانونية والإنسانية.
لم يشهد تاريخ المغرب من قبل محاولات لهجرة جماعية لقاصرين ويافعين إلى خارج البلاد .وفي الآونة الأخيرة أضحى هذا الخبر “معتادا“ بين الفينة والأخرى. فهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة الفنيدق قدوم العشرات من الشباب بينهم قاصرين من أجل فرصة العبور إلى سبتة، والذين اختاروا محاولة العبور سباحة في البحر.
هذه الظاهرة أضحت تثير استغراب الباحثين في عدة حقول علمية. فبإزاء التاريخ الذي ذكرنا أنها سابقة لم تحدث، يأتي علماء الاجتماع ليدرسوا الدوافع الاجتماعية والاقتصادية لهجرة الشباب في سن مبكرة، والتي في مقدمتها الفقر والعوز .كما أن أصحاب السياسة يسهمون بدورهم في السياق السياسي والتجاوب الحكومي إزاء هذه الهجرات، ما بين الإجراء القانوني والحق الدولي في حماية القاصرين.
لم يخل حديث في شهر شتنبر المنصرم من الخوض في الهجرة، وأظهرت فيديوهات مؤلمة مدى الحشود الغفيرة للراغبين في الهجرة .وقد قدمت هذه الحشود استجابة لدعوات انتشرت بين وسائل التواصل الاجتماعي تغريهم بتاريخ محدد يمكنهم فيه اجتياز الحدود. ولهذا تجندت القوات العمومية، قدر الإمكان، لمنع توافد المهاجرين، بل إنها شددت المراقبة على القاصرين داخل محطات القطار والحافلات من شتى المدن. وبعد تريث ورصد للأحداث، خرج الناطق الرسمي للحكومة المغربية، وقال إن الشباب تم تحريضهم «من طرف جهات غير معروفة، عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئتهم»، كما أضاف أن أزيد من 150 شخصا تم تقديمهم للعدالة. المتحدث الرسمي قال إن الأشخاص الذين حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية ناهزوا 3000 شخص، بينهم إناث وجنسيات غير مغربية.
يؤشر هذا الرقم الكبير في محطة حدود واحدة، على الرغبة الملحة لعدد كبير من القاطنين بالمغرب من الذين يتحينون فرصة العبور مهما كانت خطورة المسالك. وكلهم يحذوهم الأمل في تحسين ظروف عيشهم، وهو مطلب لم يتغير منذ قرون بعيدة عن المغاربة الذين هاجروا من قبل هربا من المجاعة والفقر والموت أو المرض والحروب. تجدد الإشارة إلى أن هذه الهجرات تزامنت مع بعض الأحداث التي ربما تحمل دلالتها لفهم أبعاد الظاهرة، من بينها أن القاصرين “لبوا“ نداء الهجرة تزامنا مع الدخول المدرسي، وهو مؤشر يدل أن هؤلاء لم يعد يهمهم القسم المدرسي، أو أنهم منقطعون عن الدراسة بصفة نهائية .كما تزامنت أيضا مع ملف إشكالي لطلبة الطب الذين يحتجون بدورهم من أجل متابعة دراستهم خارج المغرب، بمعنى آخر «حقهم في الهجرة».
بلغة الأرقام، يصنف المغرب بالفعل قبلة للمهاجرين الراغبين في العبور إلى الضفة الأوربية. لكن ماذا عن التقارير حول المغاربة الذي يرغبون في الهجرة والعيش خارج الوطن؟ تقول معظم التقارير إن المغاربة، لا سيما الشباب منهم، تتملكهم الرغبة في الهجرة. من بين تلك التقارير ما جاء في البارومتر العربي لهذه السنة، الذي خلص أن حوالي ثلث المغاربة من المستجوبين يفكرون في الهجرة، معظمهم من الشباب والذكور أكثر .ومن جهة أخرى، يؤكد مكتب الإحصاء الأوروبي أن المغاربة تصدروا في السنة الفارطة لائحة الحاصلين على جنسية إحدى دول الاتحاد الأوربي، لكن الغريب في الأمر أنهم جاؤوا متبوعين بالسوريين الذين نزحوا من بلادهم بسبب ظروف الحرب.