في هذا الحديث والحوار الحصري، يكشف الدبلوماسي والسفير السابق محمد توفيق القباج 95 عاما، الأدوار المبكرة التي قام بها زمن الاستعمار؛ إذ اضطلع بأدوار جليلة في خدمة الحركة الوطنية وفي خدمة السلطان محمد بن يوسف خلال خضوع المغرب للحماية الفرنسية. كان القباج يخاطر بنفسه للحصول على برقيات ورسائل يتبادلها المقيم العام والمسؤولون الفرنسيون مع قواد وخونة مغاربة، فيبلغها للسلطان ليكون على علم بما يحاك ضده. كما أن والده كان من الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944ومؤسسا لجريدة “العلم” العتيقة. في الحوار أيضا، يغوص القباج في كواليس حكم الملكين الراحلين، وذلك لأن ضيفنا اشتغل داخل الديوان الملكي منذ الأيام الأولى لاستقلال المغرب، وطال به المقام فأصبح رئيسا لديوان محمد الخامس، قبل تعيينه من طرف الحسن الثاني قائما بأعمال السفارة المغربية بالجزائر المستقلة وسفيرا لدى دول عديدة .كما يحدثنا السيد القباج عن فترة ما بعد ،1956 التي اتسمت بالاضطرابات والخلافات السياسية التي وقعت بين الوطنيين، وكذلك عن كواليس إقالة حكومة عبد الله إبراهيم، والأدوار الخفية التي قام بها ولي العهد مولاي الحسن زمن حكم والده.
لنستهل الحوار من بداياتك الأولى، أين ولدت وترعرعت؟
أنا من مواليد 2 نونبر 1929 بمدينة الرباط، نشأت في منزل جدي الحاج أحمد القباج، الكائن في زنقة تعرف الآن بالإسكندرية. كان جدي من القلائل الذين بنوا خارج أسوار المدينة. أما والداي فهما من عائلة القباج؛ أبناء عمومة. عندما أخذني والدي مبكرا، في عمر الخامسة، إلى المدرسة، تخوفت منها ولم أستطع اعتيادها، فأخذني إلى “المسيد“، لكنني فزعت من طريقة التدريس ومن الفقيه وأسلوبه في التدريس ومن العصا والوعيد الذي يتوعد به التلاميذ، فطلبت من والدي أن يعيدني إلى المدرسة. هكذا، ولجت إلى مدرسة “امحمد جسوس“ التي كانت حديثة التأسيس من طرف الحاج أحمد بلافريج في سنة .1934 وقد درست في هاته المدرسة على يد أساتذة كبار، أمثال عثمان جوريو ومحمد بنشقرون ومولاي الصديق العلوي.. وغيرهم.
كان والدك أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944، حدثنا عنه، وماذا كان يعمل خلال تلك الفترة العصيبة؟
كان والدي موظفا بإدارة الشؤون الشريفة كاتبا مخزنيا بحي تواركة، وهي إدارة تجمع ممثلين عن الإقامة العامة الفرنسية وممثلين عن السلطان. ثم جاءت محطة 11 يناير 1944 التي قلبت حياتنا إلى مسار جديد؛ إذ كان والدي من الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال ومن الأعضاء الفاعلين لما سمي بـ“الطائفة“ داخل الحزب الوطني قبل تأسيس حزب الاستقلال. وبسبب توقيعه على العريضة ولإضرابه عن العمل إثر أحداث 29 يناير ،1944 تم طرده من الوظيفة مع مجموعة من الموظفين. وقد لاحقه رجال الأمن أياما بعد ذلك؛ بحيث كانت ترابط سيارات الشرطة أمام بيتنا، فكان بدوره مستعدا للاعتقال في أي لحظة على الرغم من الرعب الذي عشناه وقتئذ.
اضطر والدي بعد طرده أن يفتح متجرا لبيع الأثواب حتى يتمكن من إعالتنا، لكن في أحد الأيام، بعث أحمد بلافريج إلى والدي المهدي بن بركة لكي يطلب منه القيام بمهمة الإشراف على تأسيس جريدة حملت اسم “العلم“، لسان حال حزب الاستقلال، التي ما تزال تصدر إلى غاية اليوم. وقد تزامن تأسيس الجريدة مع الانفتاح النسبي الذي رافق فترة إدارة المقيم العام إيريك لابون شؤون المغرب. وضع الوطنيون الثقة في والدي لتسجيل الجريدة باسمه لأن القانون كان يمنع تسجيلها باسم الحزب. وكان من بين المحررين الأوائل أسماء من قبيل: قاسم الزهيري، وعلي بركاش، وعبد الكريم غلاب، ومحمد بن الراضي..
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 123 من مجلتكم «زمان»