يمتزج العفو بسجلات دينية وأخلاقية وسياسية وحقوقية، ويتخذ، سياسيا، أشكالا عدة، من خلال إجراءات قانونية مضمنة في النظام الأساسي، أو تدابير معينة تتخذها السلطة الحاكمة للعفو عن محاكمين أو منفيين، أو في سياق معين، لتجاوز احتقان، أو الانفتاح على المستقبل، أو في تغيير نظام أو مراجعته كما في جنوب إفريقيا هيئة المصالحة والحقيقة، أو أمريكا اللاتينية، أو الوئام المدني في الجزائر، أو هيئة الإنصاف والمصالحة، بالمغرب، مما يسمى بالعدالة الانتقالية.
لا نتحدث هنا إلا عن العفو الذي يشمل قضايا سياسية، إذ يمكن لمن يرأس السلطة العفو عن أشخاص ارتكبوا جرائم حق عام، أو تخفيف العقوبة، مما لا يدخل في اهتمامنا. ما يهمنا هو العفو الممنوح في قضايا سياسية، من منظور تاريخي. كان السلاطين يعفون عن بعض الخصوم أو الغرماء، أبدوا التوبة أو الرضوخ، أو أملته مصلحة عليا (مولاي الحسن مع الهاشم أوحساين أمام تكالب القوات الأوربية على المغرب)، أو ظرفية خاصة، كما أن ينجب السلطان ولدا، أو يُشفى من مرض ما، أو يسقط المطر مدرارا ويعم الخصب .يجد العفو مرجعه هنا، من تقاليد إسلامية، كما هو متضمن في القرآن، كما في الآية «فاعف عنهم»، أو في السيرة النبوية بعد فتح مكة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ولكنه يجد جذوره كذلك في بعض التقاليد المرتبطة بالخصوصية الثقافية. غالبا لا يتم التمتيع بالعفو، إلا لمن طلبه، ويلازم ذلك طقوس معينة، إما أن تُقدم قبيلة “مغوغَة” (أي ثائرة، من الغوغاء)، على تقديم الطلْبة الصغار وهو يحملون الألواح فيما هو طلب الشفاعة، أو طقس “التعركيبة“، إذ تأتي قبيلة بثور وتذبح قوائمه إلى أن يَخر، أو تَحترِم (طلبة الحُرمة) أمام مدفع السلطان، أو تقلب النساء لباسهن، أو تضع القبيلة إزارا أبيض في مسار حرْكة السلطان، أو يقيد المتشفعون أنفسهم بسلاسل (مكتفين)، أو تقدمون على التوسل (المزاوكة، وهي كلمة أمازيغية، تعني النداء والتوسل) في طقوس مختلفة منها تقديم الذبيحة …
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 123 من مجلتكم «زمان»