هو عنوان قصيدة إنجليزية للشاعر روديارد كيبلينغ، تُحفّظ للناشئة البريطانية، ولها صيت ذائع، وتُرجت إلى لغات عدة، ومنها إلى العربية بالشعر العمودي، من قِبل جورج موسى في نص يضاهي من حيث الجمالية النص الأصلي.
ومؤدّى القصيدة نصائح أب لابنه، يبدؤها بلازمة “إذا”، أداة شرط، حتى لا تستبد به الأهواء، أو يُقعد به الإحباط، حتى لو أضاع كل شيء، فيعيد الكَرّة بذات العزم، كأن لم يفقد شيئا. سبب استشهادي بهذه القصيدة، هو أن لي فهما للشيء العام، يجعله مطابقا للتربية، وليس مثلما تواتر عند بعض من كبار سياسيينا ممن يرونه مقاولة تدار بمنطق الربح والخسارة. ومدار التربية، القدوة، فالتكرار، وأخيرا الحزم، وهو في المحل الثالث.
تدبير الشأن العام تربية وينبغي أن يأخذ منها قواعدها، والتربية لا تتأذى من التكرار، ولا تستنكف من الجزاء، بعدها، حينما لا يكون عنه بديل. لا يمكن أن نقلب سلم الأوليات، فنبدأ بالجزاء، ونذهل عن القدوة. وإلا وقعنا فيما عبر عنه فيلسوف ألماني: ومنْ ذا يربي المربين؟
نعيش فترة حاسمة، لا يمكن أن نتصدى لها بالأحلام، فبالأحرى الأوهام. كان يسوغ ذلك قبل ربع قرن، وكان العالم من حولنا ينبني على صورة هلامية ومثالية، ولكن العالم الآن، تكتنفه نظرة ضبابية، وتحولات عميقة، ولذلك لا يمكن أن ننخرط فيه إلا برؤية متأنية، وتفكير رصين، بعيدا مع ما يسمى بالفرنسية آثار إعلانات (Effet d’annonce). ومن الضروري كذلك أن نجري واجب جرد، لِما تم، وما لم يكتمل، وما تم بطريقة مهلهلة، وما لم نتصدّ له بعد، وإعادة النظر في سلم الأوليات. لا عيب أن نخطئ، أو تضيع منا فرص، لسوء تقدير، أو لظروف خارجة عن إرادتنا، ولكن العيب كل العيب، هو أن يضيع منا الأمل، أو يستبد بنا اليأس. ولا فائدة من جلد الذات أو التجني عليها، لأن الخطأ مقترن بالعمل، والذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون. لن نستطيع أن نتغلب على الصعاب إلا إن نحن صرفنا طاقتنا للمعركة التي بها مناط كرامتنا، وهي أن نستثمر في الأسس، وهي بناء إنسان جديد، أي التربية. والتربية تفترض طموحا جماعيا.
لقد أبان المغاربة عن وعي كبير، حينما يلتفّون حول هدف، وحين يغضبون من أمر، دون أن يغلوا، وهو الرأسمال الذي ينبغي أن نستثمره في معركة الكرامة. نحن عارفون الآن من هم أصدقائنا، وعارفون لمن يكذبنا، ويهزأ منا. مثلما أننا عارفون لعناصر قوانا، ومواطن ضعفنا. ولو يتاح للتاريخ أن يُكتب، في أناة، لسوف نقف على أن جزءا كبيرا من إخفاقاتنا هو اصطفافنا مع من كنا نحسبهم أخوة، ونتباهى بذلك، وإجراؤنا لخيارات أملوها أو أوحوا بها…
لا عيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نتمادى في الخطأ.
وأول الأشياء أن نتصالح مع أنفسنا. ومع مكونات بلدنا، وأن نُغلّب النظرة الاستراتيجية على المقاربات التكتيكية. فلنبدأ مما يفرضه المنطق السليم، وهو قراءة لموقعنا الجغرافي. فنحن أفارقة، وتاريخنا امتزج مع الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط، وما يجمعنا بها، ثقافيا واجتماعيا وإنسانيا، أكثر مما يفرقنا، فضلا عن المصلحة المشتركة، وينبغي أن نجري وفق ذلك نظرة على منظومتنا التربوية تطابق هذا التوجه.
إن نحن فعلنا، وغلّبنا العقل، عوض العاطفة، فلسوف تكون النتيجة ما قاله الأب لابن في قصيدة إذا :
«هناك لك يأتيك مُلك الأرض صاغرا وتُدعى حقيقة يا بُنيَ بإنسان»
ولا ريح مواتية ممن لا يعرف وجهته. فلْنرسمْ وجهتنا، ولنقطع مع ما يعوقها، ومن تخرصات من كنا نعدهم “أخوة”، ووصايتهم وإملاءاتهم.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير