بعد خمسين عاما في أحضان الصراعات والمؤامرات، والتقلب بين سلاطين تونس والمغرب والأندلس ومصر، وقف ابن خلدون بين يدي تيمورلنك، على أبواب دمشق. طلب الإمبراطور المغولي كتابا حول المغرب، واشترى بغلة صاحب «المقدمة».
عندما كتب ابن خلدون كتابه الشهير «العبر»، خصص آخر الجزء الثامن للحديث عن حياته. حمل هذا الجزء في البداية عنوان «التعريف بابن خلدون مؤلف هذا الكتاب». إلا أن تجوال صاحبه في البلدان، ورحلاته، لاحقا، في الأندلس وبلاد المغرب ومصر والشام والحجاز، اقتضت منه أن يضمن في هذا الكتاب ما استجد من حياته، فعظم حجمه، وقرر ابن خلدون أن يمنحه عنوانا جديدا: «التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب، ورحلته غربا وشرقا». وصار المؤرخون من بعده يشيرون إليه بـ«رحلة ابن خلدون». رغم التسمية الجديدة، ظل هذا الجزء لقرون طويلة جزءا لا يتجزأ من تاريخ ابن خلدون، ولم يظهر ككتاب مستقل إلا سنة 1951، مع المحقق المغربي محمد بن تاويت الطنجي (توفي سنة 1963) الذي فصله، بعد تحقيقه، عن «العبر»، وأصدره ككتاب مستقل تحت عنوان «رحلة ابن خلدون».
تحكي «رحلة ابن خلدون» قصة حياته، وتقلباته بين السلاطين، ورحلاته في الشرق والغرب، في وضعية حرجة من تاريخ الغرب الإسلامي. فبعد سقوط الدولة الموحدية، خلال القرن الثالث عشر، كانت البلاد مسرحا لعقود طويلة من الفوضى والتطاحن بين الإمارات المتنافسة لبسط سيطرتها على المنطقة: المرينيون في المغرب، بنو عبد الواد في المغرب الأوسط (الجزائر حاليا)، والحفصيون في إفريقية (تونس حاليا). ووجد ابن خلدون نفسه في قلب هذه الصراعات، يقلب ولاءاته بين الممالك الثلاث، ويقدم خدماته لهذا السلطان قبل أن يلتحق بغريمه، طوعا حينا وكرها حينا آخر. وفي الحقيقة، لم تكن وضعية ابن خلدون وتقلبات ولاءاته إلا تعبيرا عن حالة التمزق وعدم الاستقرار التي كانت تعيشها المنطقة.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 22-23 من مجلتكم «زمان»