لم تنفع حظوة ابن رشد لدى الخليفة الموحدي يوسف من الحيلولة دون التشهير به مستقبلا، بل تعريضه لمحاكمة قضت بإحراق كتبه وإخضاعه للإقامة الإجبارية.
يعتبر أبو الوليد محمد بن رشد أحد العلماء المسلمين البارزين الذين جمعوا بين الفقه والفلسفة والطب والفلك والفيزياء. مكانة علمية ما كانت إلا أن تلفت انتباه الحكام الموحدين، فلقي حظوة كبيرة لدى الخليفة الموحدي يوسف الذي كان مهتما بعلوم الوقت، وأبدى عناية بالمجال الثقافي، وعينه طبيبا خاصا وقاضيا على إشبيلية ثم على قرطبة، وأسند إليه الشورى والفتوى في أمور الدين والدنيا، بما يفيد أن المناخ الثقافي في عهد هذا الخليفة اتسم بكثير من الانفتاح، لم يفت ابن رشد أن يشيد به.
لم يستمر هذا المناخ على عهد الخليفة يعقوب المنصور، الذي أحدث “انقلابا في الاستراتيجية الثقافية للدولة”، فاعتنى أكثر بالصلحاء وأهل الحديث النبوي، وضيق، في المقابل، على “أهل الرأي” والفقهاء، وهو ما يشهد به عبد الواحد المراكشي، الإخباري المطلع على أحوال الدولة الموحدية من الداخل، فقد أكد أن هذا العهد عرف انقطاعا في «علم الفروع، وخافه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب المالكي، في سائر البلاد، وتقدم إلى الناس في ترك الاشتغال بعلم الرأي والخوض فيه، وتوعد ذلك بالعقوبة الشديدة». وضع من هذا القبيل، لم يكن إلا أن يؤثر على ابن رشد، لاسيما أن علاقته بالخليفة الجديد لم تكن بنفس درجة علاقته بسلفه، فنال حظه من التضييق، انتهى بما اشتهر في المصادر بـ«محنة أبي الوليد بن رشد»، حيث صدر في حقه حكم بإحراق كتبه، والإقامة الإجبارية لمدة سنتين في قرية أليسانة القريبة من قرطبة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 54 من مجلتكم «زمان»