مع دخول الإسلام لبلاد المغرب الأقصى وما جاء به من تعاليم جديدة، وما حمل معه من العقائد والقوانين والأعراف التي شكلت صدمة للثقافة المحلية، وللنظام القبلي المتجذر والقائم على الاستقلالية والميل نحو الزعامة والمقاومة، والمتأثر بصعوبة التضاريس الطبيعية والمزاج الجبلي المتعنت، كان ظهور عدد من مدعي النبوة، الذين حاولوا مضاهاة الإسلام، واختراع أديان جديدة وشرائع مختلفة.
كان للموروثات الدينية السابقة دور في ظهور مدعي النبوة، سواء منها غير الإسلامية شأن اليهودية والمسيحية والوثنية، والتي اجتهد المغاربة في تكييفها مع ما يتوافق مع عاداتهم وتقاليدهم، أو الإسلامية كالخارجية من صفرية وإباضية بما فيها من ميول نحو التمرد والتحرر، خاصة مع ظلم واستبداد الولاة القادمين من المشرق، وممارساتهم الغاشمة من جباية للأموال وسبي للنساء، وعدم اهتمام بالشكاوى المرفوعة إلى السلطة المركزية بدمشق. كل ذلك، إضافة إلى استثقال كثير من المغاربة يومها للشرائع الإسلامية، خاصة ما يتعلق بدفع الزكاة، وبعض العبادات التي رأوا فيها كثيرا من الجهد كالصلاة والصيام، كان سببا في نفور بعض القبائل ورغبتها في اختراع شرائع جديدة، وهو ما أدى لظهور عدد من أدعياء النبوة، حاولوا محاكاة التعاليم الإسلامية، وسن تشريعات مختلفة، من أشهرهم صالح بن طريف الذي ادعى النبوة ببرغواطة منتصف القرن الثامن الميلادي، رغم أن بعض الباحثين يشككون في صحة هذا الادعاء، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تحاملا من المخالفين على صالح بن طريف، الذي كان على مذهب الخوارج الصفرية، ولم يدع النبوة ولا اخترع قرآنا جديد كما يزعم خصومه من مؤرخي السنة والشيعة. ومن أشهر من نسب إليهم ادعاء النبوة بالمغرب أيضا حاميم الغماري من أهل القرن العاشر الميلادي، ومحمد الكتامي الغماري خلال القرن الثالث عشر الميلادي زمن أفول الموحدين، وغيرهم ممن لم يكن لهم من القوة والأتباع ما كان للسابق ذكرهم، فلم تهتم كتب التاريخ بذكر تفاصيل دعوتهم.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 125 من مجلتكم «زمان»