القول بأن حزب الاستقلال جزء أساسي من التاريخ السياسي المغربي أصبح شيئا بديهيا، بل إن إعادة قول ذلك تصبح مجرد اجترار. يجمع المؤرخون، أجانب ومغاربة، على أن حزب علال الفاسي كان أول هيئة حزبية عرفها المغرب، بضعة أشهر قبل أن يرى النور كل من حزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي. إذ يرتبط ميلاد الحزب بوثيقة الاستقلال التي قدمها عدد من الوطنيين يوم 11 يناير 1944. وبذلك، يكون حزب الاستقلال، عمليا وزمنيا، وريث حركة المقاومة القبلية والمسلحة التي عارضت التوغل الاستعماري، بدءا من موحا أوحمو الزياني وعسو أوبسلام، مرورا بمحمد بنعبد الكريم الخطابي. عبر الحزب عن شكل آخر من الرفض للاستعمار. بدأ الرفض مدنيا وسياسيا، قبل أن يتحول إلى عنف مشروع في المدن والقرى.
كان الحزب هو المستفيد من هذا النوع من التحول في النضال من أجل التحرر الوطني. كان فاعلا وشاهدا في نفس الوقت. كثير من الرجال، الذين تبنوا قناعاته، دفعوا حياتهم، حريتهم أو سلامتهم الجسدية ثمنا لذلك.
للأسف، يسجل التاريخ، أيضا، أن بعض الناجين، وليسوا أقلية، سارعوا إلى الاستفادة من ريع استقلال المغرب، حتى وإن لم يظلوا، بالضرورة، تحت نفس المعطف.
بدءا من مفاوضات إيكس-لي-بان إلى الوقت الحالي، جرى الكثير من الماء تحت جسر متداعٍ في مغرب مستقل رسميا. وفي غضون ذلك، ظل الحزب، دائما، في موقع جيد داخل المشهد السياسي. فهو يذكر، دائما، بفكرة بديهية غير ملموسة، تتمحور بالأساس حول أن السياسة تتملكها الكيانات الت ي تستمر، دون أن تشيخ بشكل كبير حتى لا تذبل ببطء. كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن حزب الاستقلال نجح في اختياراته. ما بين جيلي علال الفاسي وحميد شباط، يمكن القول إن علامات الشيخوخة طالت، بكل تأكيد، وجوه الكثير من قيادييه، غير أنه يعرف دائما كيف يجدد جلده. يقع التحول وسط الألم، حيث تنتهي، دائما، الحتميات التي تفرضها اللحظة بسحب البساط من تحت أقدام المحافظين، في مغرب يتطلب إعادة البناء من خلال تجديد نخبه.
على مر التاريخ، ظل حزب الاستقلال يضع قدما داخل سرايا النظام، وأخرى خارجها. لقد كان، في البداية، حاجزا لحشد كل مكونات الحركة الوطنية، باستثناء حزب الشورى والاستقلال، الذي فضل، لأسباب مقبولة، التغريد خارج السرب، ما أدى به إلى دفع الثمن غاليا، دون أن ينصفه التاريخ.
انهار الحصن الاستقلالي مع حكومة عبد لله إبراهيم (1960-1959)، حين بدأ الحزب في التصدع ابتداء من ماي 1960، ليؤسس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كان ذلك أول انشقاق كبير، قبل أن تتوالي الانشقاقات داخل الاتحاد الوطني نفسه. من وجهة سياسية-وراثية، يمكن القول إن الاستقلال كان دائما هو الحاضن.
طيلة كل الاضطرابات، التي عرفها المغرب ما بين سنوات 1960 و1990 والتي وصلت إلى حد محاولة قتل الملك أحيانا وكانت دائما مأساوية، حافظ الاستقلال، حتى وإن ظل يتلقى الضربات، على مسافة تضمن له شيئا من الأمان والحماية، بهدف أن يدوم ويستمر.
هكذا، لم يتخذ أي موقف من المسيرة الخضراء، أو اثناء البدايات الأولى للنزاع في الصحراء ما بين عامي 1975 و1976. وقَبِل المشاركة في حكومات رفقة ما عُرِف بأحزاب “الكوكوت مينوت”، قبل أن يعود، في عام 1992، للمساهمة في إحياء “الكتلة” التي دخلت غرفة الإنعاش منذ 1970.
ابتداء من حكومة التناوب التوافقي، التي قادها السي عبد الرحمان اليوسفي، وجد الاستقلال نفسه وسط منعطفات جديدة ويفاوض على جبهتين، خارجية مع حلفائه القدامى، وداخلية مع شباب صاعد ومتطلع إلى تسلم زمام القيادة.
يبدو، اليوم، أن حزب الاستقلال قطع حبل الود مع الأوائل، عشية انتخابات 7 أكتوبر 2016، وتكليف عبد الإله ابن كيران بتشكيل حكومة على اعتبار حصول حزبه “العدالة والتنمية” على الرتبة الأولى.
كان الأمين العام الحالي للحزب، حاسما في وضع اليد في يد ابن كيران، حين اختار الانضمام إلى التحالف الحكومي المقبل، وهو الذي سبق أن قرر انسحاب وزراء الاستقلال من حكومة ابن كيران الأولى. كانت الأمور تسير في الاتجاه الذي ارتضاه أغلب الاستقلاليين، غير أن ما اعتبر “زلة لسان” حميد شباط حول الحدود المغربية، واعتبارها تمتد إلى نهر السينغال جنوبا، جرت عليه الغضب، هنا وسط النظام وداخل حزبه، وهناك في موريطانيا، قبل أن يتحرك حكماء الحزب لاحتواء الأزمة التي وضعت هيئتهم، مرة أخرى، في مواجهة النظام. ربما، ذلك ما يؤكد خصوصية حزب علال القادر على التكيف والتعايش مع كل ما يمكن أن يطرأ في الساحة.
ضمن هذا العدد ملف خاص عن حزب الاستقلال.
يوسف شميرو
مدير النشر