توسع الموحدون في اتجاه الشرق والشمال، وحكموا بلادا تمتد من طرابلس إلى أقصى السوس ومن قرطبة إلى سجلماسة، قبل أن تحمل هزيمة العِقاب بوادر انحسار امتداد الامبراطورية الموحدية.
ذكر صاحب «الحلل الموشية» بصدد الامتداد المجالي للدولة الموحدية على عهد عبد المومن، أول خليفة موحدي، أنه «كمل له الملك بإفريقية مسيرة أربعة أشهر من المشرق إلى المغرب، ومن طرابلس إلى أقصى السوس، ومن الشمال إلى الجنوب في أعرض المواضع من قرطبة إلى سجلماسة خمسة وعشرون يوما». وقال المراكشي صاحب المعجب عن الخليفة نفسه: «ملك في حياته من طرابلس الغرب إلى سوس الأقصى من بلاد المصامدة وأكثر جزيرة الأندلس. وهذه مملكة لم أعلمها انتظمت لأحد قبله…». لم يكن هذا هو أقصى امتداد مجالي بلغته الدولة الموحدية، بل تحقق ذلك مع ابنه الخليفة يوسف، «فكان ملكه قاصية بلاد إفريقية إلى أقصى بلاد نول من أرض السوس الأقصى إلى آخر بلاد القبلة، وملك بالأندلس من مدينة طليطلة قاصية بلاد شرق الأندلس إلى مدينة شنترين من بلاد غرب الأندلس». فما هي حكاية هذا التمدد المجالي الذي لم تعرفه دولة مغربية من قبل ولا من بعد؟ وهل يمكن اعتباره احتلالا؟ أم توحي دا للمجال؟
هل هو احتلال موحدي للمجال؟
نبدأ بالجواب عن السؤالين الأخيرين، فالرائج أن التجربة الموحدية تمت بالقوة، وهي بالفعل كذلك، وبالتالي فهي لا تعدو أن تكون في جوهرها مجردة حركة توسعية. غير أن القول بالتوسع والاحتلال يفيد «التلاعب بالإطار الجغرافي والظرفية التاريخية لهذه [التجربة]. فالتوسع معناه اختراق الحدود». غير أن الإطار الجغرافي في ذهن معاصري التجربة «التوسعية» الموحدية لا يعدو أن يكون مجالا واحدا وإن تعددت أسماؤه عبر توالي الزمن كـ«إفريقية»و«الغرب»، و«المغرب» و«بلاد المغرب»…، وثمة شهادات عدة معاصرة للمرحلة «تؤكد أن الأمر بالنسبة للذهنية المعاصرة يتعلق بمجال واحد هو المجال المغربي الواسع وليس بمجالات متعددة أو [مستقلة] عن بعضها. طبيعي أن يشمل هذا المجال عدة أقاليم (…)، ولكنها (…) تكوِّن منطقة جغرافية واحدة ومجالا حيويا أو معاشيا واحدا. هذه المنطقة بالنسبة للمعاصرين لها حدود جغرافية وأخرى ذهنية. والحدود الذهنية التي تهمنا هنا تضع بلاد المغرب بين المحيط الأطلسي وغربي الإسكندرية (…)، كما أنها تندمج فيها بلاد الأندلس من الشمال ولا تقف جنوبا إلا عند بلاد السودان. فالحدود المعترف بها إذن حدود خارجية تفصل المجال كله عن بقية العالم من الجهات الأربع». وهذا ما يعني أن المحاولات الوحدوية عندما قامت، سواء التي سبقت الموحدين أو التي جاءت بعدهم، إنما قامت «على أساس الزعامة العصبية لا على أساس التوسع أو الاحتلال» كما ينظر إليه اليوم. وعليه، فإن «الحركات الوحدوية التي ظهرت بالمغرب الكبير قد اعتبرت نفسها دائما كما اعتبرها الأهالي مجرد حركات داخلية أو أهلية أصلية ولم تكن في ذهن معاصريها بأجنبية ولا دخيلة أو متطفلة».
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 19 من مجلتكم «زمان»