اكتسى الجيش المغربي، في العصور الوسطى، أهمية كبيرة وكان من القوة والعدد ما جعله يساعد في توسع الدولة، قبل أن يعتروه الضعف.
كتب ابن خلدون في مقدمته «أن الظفر في الحروب إنما يقع بأمور نفسانية وهمية، وإن كان العدد والسلاح وصدق القتال كفيل به لكنه قاصر مع تلك الأمور الوهمية». وفي هذا الاتجاه، لن نركز في هذه الوقفة القصيرة التي نخصصها لتتبع بعض عناصر القوة ومكامن الضعف في الجيش المغربي خلال العصر الوسيط على التكتيك والإستراتيجية والعتاد، بل سنتوجه رأسا نحو بعض الجوانب التي نعتقد أنها شكلت مصدر القوة أو الضعف في هذا الجيش، ليس لأن ما سنغض الطرف عنه غير مهم، ولكن لاعتقادنا أن عناصر أخرى، غير تلك، كان لها دور مهم في تحقيق هذا الجيش للانتصارات أو تعرضه للهزائم.
يكتسي الجيش أهمية خاصة في مسار الدول المغربية خلال العصر الوسيط. وفي هذا الصدد، يجدر التذكير بقضية أساسية تمس طبيعة هذه الدولة، فكل سلطة أو دولة خلال هذه الفترة في حقيقتها وأصلها قبيلة استطاعت أن تخضع لسلطتها ونفوذها بقوتها وشكيمة أفرادها، بشكل مباشر أو غير مباشر، مجموعة من القبائل المغلوبة على أمرها، أو المتحالفة معها من أجل مصالح معينة. وإذا سلمنا بهذا الأمر، فإن قيام أي دولة في تاريخ المغرب الوسيط واتساع أفقها واستمرارها كان مقترنا أشد الاقتران بقوة الجيش وبقدرته على التغلب على البلاد والعباد. تبرز الأهمية الخاصة للجيش في هذه المرحلة من خلال الحضور المكثف للحرب في بنية الدولة، والدور الحيوي الذي اضطلعت به في قيامها واستمرارها. ومن تمظهرات ذلك، التنقل العسكري شبه الدائم للسلطان خارج عاصمته، سواء في داخل المغرب الأقصى أو خارجه. وقد كان لحاجة الدولة إلى المال والحفاظ عليه ما يفسر كثيراً من حيثيات هذا التنقل، إلى جانب عامل الجهاد والدفاع عن الحوزة الذي شكل عنصرا من عناصر شرعية هذه الدول. وكل ذلك فرض على جنودها تمشق أسلحتهم دائما، لإخضاع القبائل والثوار وإرغامهم على أداء ما تكلف به، ولمغالبة الدول المجاورة على المجال والساكنة، فضلا عن الحاجة إلى إظهار السلطة في المكان بواسطة الجيش، وإبراز عظمة السلطان في مجال يتميز بالمقاومة المستمرة للدولة. وغير خفي، أن الإلمام بعناصر قوة ومكامن الضعف في الجيش المغربي خلال العصر الوسيط، لن يتأتى إلا بمحاولة الإحاطة بشؤون التجييش والتجنيد والحشد والاستنفار والتموين، أي بطبيعة الجيش ومكوناته وحركاته. وفي هذا السياق، فإن أول ملاحظة ينبغي استحضارها بالنسبة للعناصر المكونة للجيش المغربي خلال العصر الوسيط تتمثل في ذلك الشكل الفسيفسائي الذي ميزه، وهو ما يمكن تفسيره بطبيعة النظام السياسي الذي ميز دول هذه المرحلة، نظام يرتكز على تعدد المسهمين في الغلبة، وتعدد المستفيدين منها.
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 19 من مجلتكم «زمان»