رغم التوتر السياسي المتذبذب بين المغرب والجزائر، إلا أن تاريخ البلدين حافل بالتقارب والتجانس لحد كبير .وخلال فترات غابرة، استطاعت الجزائر أن تتوغل في المغرب وتغيّر بعض عاداته ونمط عيشه في عدة مجالات.
مع دخول السلطات الفرنسية إلى الجزائر سنة 1830، اضطر سكان المدن إلى النزوح إلى مدن بعيدة عن حدة الحرب، بما فيها المدن المغربية. واشتدت الهجرة مع سقوط الأمير عبد القادر سنة 1843. هذا الأمير كان قد لجأ إلى المغرب أثناء مقاومته للقوات الفرنسية، فما كان من القبائل المغربية المجاورة، إلا أن آوته وساندته. لكن ذلك أدى إلى توتر العلاقة بين المغرب وفرنسا، ونتج عنه ما يعرف بمعركة “إيسلي” سنة 1844. ومع سقوط الأمير تصاعدت حدة الهجرة إلى داخل المغرب. يذكر مؤرخ الجزائر أبو القاسم سعد لله، في كتابه “تاريخ الجزائر الثقافي”، أن الهجرة «كانت في البداية من مدينة الجزائر، ثم تلتها المدن الأخرى. وكانت تشمل عادة أعيان البلاد وأغنياءها وعلماءها».
أول المدن التي استقر بها الجزائريون وعبروا من خلالها إلى باقي مدن المغرب، هي مدينة وجدة بحكم قربها الجغرافي والحدودي. ووصل تعداد العائلات النازحة في القرن التاسع عشر حوالي 300 عائلة، موزعة على باقي أحياء وجدة، فتوغلوا في أمور التجارة والحرف، بعدما لقيهم جيرانهم المغاربة بكل ترحاب. كما تعد أيضا مدينة فاس، وجهة أخرى استطابها الجزائريين بعد امتداد هجرتهم ونزوحهم داخل المغرب. وقد قصدها سكان مدن تلمسان ووهران ومعكسر، ابتداء من سنة 1835.
واشتهرت تطوان من بين المدن التي استقر بها الجزائريون بشكل كبير، ويرجع السبب إلى العلاقة الوطيدة بين الجزائر وتطوان خلال مقاومة الأمير عبد القادر، إذ كانت مركزا للتموين بالأسلحة، حيث استقر بها المقاومون الجزائريون الذين أضحوا وسطاء للأمير. ومن الأحياء الشهيرة التي استوطن بها الجزائريون وتركوا بصمتهم: حومة أحفير، حومة جامع الكبير، الوسعة وسوق الغزل، الطرانكات، ثم الباب السفلي.
غسان الكشوري
تتمة الملف تجدونها في العدد 63 من مجلتكم «زمان»