“الحركة” هي تلك السفريات والزيارات التي كان يقوم بها حكام المغرب والأندلس إلى جهات ممالكهم خلال العصر الوسيط. هنا محاولة لمعرفة الوظائف الدقيقة التي كانت تقوم بها “الحركة”، والأدوات التي يستخدمها الحكام لبلوغ غاياتهم منها.
استخدم كتاب العصر الوسيط للتعبير عن تحركات الحكام، خلال هذه الفترة، مصطلحات عديدة مثل السفر والزيارة والعبور والجواز والبعث والصائفة والشاتية والغزو والغزوة والحركة، لكن الكلمتين الأخيرتين كانتا الأكثر تداولا واستعمالا، إذ اختصت الأندلس بالغزوة (من الفعل غزا يغزو غزوا وغزاة وغزوة)، بينما فضل المغرب الحركة (من الفعل حرك) التي ستأخذ، انطلاقا من العصور الحديثة، شكلا شعبيا واسع الاستعمال والتداول، وستنتقل إلى الاستعمال الشعبي بصيغة “الحْرْكة”.
تطور تنظيم الحركة في الغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط انطلاقا من الأندلس الأموية، حيث تحددت معالمها الرئيسية على جميع الأصعدة، وتطورت في بلاد المغرب وبالخصوص مع الموحدين الذين ضخموا رمزيتها، ووسعوا وظيفتها الإيديولوجية، ثم المرينيين الذين طعموها بتأثيرات مشرقية تركية – مملوكية، وأضفوا عليها طابع الفخامة والبهرجة أكثر.
كانت الحركة تخضع لتنظيم دقيق، بحيث لا يترك أي شيء فيها للصدفة. فللحركة موسم محدد تنظم فيه يمتد بين شهري أبريل وأكتوبر من كل عام، ولا تخرج عن هذا التوقيت إلا في حالات نادرة جدا. وعادة ما كان هذا الوقت يتميز باعتدال الحرارة وقلة التساقطات، خاصة الثلجية، كما تتوفر المياه والأعلاف والحبوب وهي شروط ضرورية لنجاحها. وعندما كان يقرر تنظيمها، يعلن الحاكم عن عزمه على الغزو والخروج في غزوة، فيرسل الرسل من الوزراء والقضاة والكتاب والعلماء والرقاصين محملين بالرسائل إلى أهل المدن والقبائل والجماعات حسب مكانتها وقوتها لإخبارها، والحصول على موافقتها على المشاركة، ودعوتها للاستعداد والتأهب بكل ما يلزم.
محمد حقي
تتمة الملف تجدونها في العدد 39 من مجلتكم «زمان»