عندما قرر السلطان أبو عنان المريني لجم سلطة الأشياخ وكبار المتنفذين، حيكت الدسائس داخل القصور، وتطورت لاحقا بمقتل سلاطين وأمراء ووزراء.
يجد مناخ الدسائس بين كبار المتنفذين من القصر خلال العصر المريني جذوره في طبيعة نظام الحكم الذي أرساه المرينيون الأوائل القائم على تعدد المسهمين في الغلبة على البلاد والعباد مع الاستفادة من غنائم هذا الإسهام من إقطاعات وإشراف على الجبايات، إلى جانب الإنعامات والأعطيات والتحكم في المناصب والامتيازات وغيرها، فأصبحوا بذلك شركاء للسلطان في الحكم. وقد أفضى هذا النمط إلى بروز نخبة من كبار المتنفذين في الدولة تكونت في الغالب من كبار الأشياخ المرينيين وغيرهم من المنتمين إلى القبائل المتحالفة مع السلطة في مرحلة التشكل والبناء والتوطيد. وعندما قرر السلطان أبو الحسن المريني وابنه أبو عنان من بعده لجم سلطة هؤلاء من خلال سحب الكثير من تلك الامتيازات، كان من الطبيعي توقع رد فعل عنيف من قبل هؤلاء، وهو ما لم يتأخر كثيرا.
صراعات كبار المتنفذين
عندما كان السلطان المريني أبو عنان في فراش الموت، بدأت أولى دسائس القصور تبرز بشكل واضح من قبل كبار المتنفذين من المشيخة المرينية ومن معها من كبار القبائل الأخرى الحليفة في اتجاه استعادة ما سلب منهم من امتيازات والتحكم في الدولة واسترجاع زمام المبادرة. علما بأن هذا السلطان قام قبل هذا بقليل بإقصاء الإخوة وأبناء العمومة، غير المرغوب في حضورهم لديه، من المشهد السياسي. وقد أسفرت هذه الدسائس عن إزاحة أشياخ بني مرين ولي العهد، وإرغامه على الاعتراف بأخيه الأصغر المسمى السعيد وعمره يتراوح بين خمس وعشر سنوات. ولم يكتف المدبرون لهذا الوضع بذلك، بل عمدوا إلى قتل الأخ الأكبر، واغتيال وزيرين، وأرغموا الأمير المنصب، «على المثول أمام الملأ على صغر سنه».
منذ هذه اللحظة، ارتفعت وتيرة الدسائس في القصر المريني، كانت غايتها فرض الوصاية على “مؤسسة” السلطنة، نفذت بيد مجموعة من الوزراء والحجاب المنتمين للقبائل المرينية، تنافسوا «حول الأخذ بزمام الأمور، وتدجين الدولة»، ولم يكن هؤلاء في حقيقة أمرهم سوى واجهة لصراع الأشياخ الذين كانوا يعتبرون «السادة الفعليين المسهمين في مزاولة الحكم انطلاقا من وضعهم التقليدي»، مدعومين من لدن قبائلهم.
تتمة الملف تجدونها في العدد 57 من مجلتكم «زمان»