ممارسة السياسة بالمغرب تتم في المساجد قبل القصور. وممارسة الدين في القصور قبل المساجد. من هذا المنطلق وعبر التاريخ، تأسست علاقة متينة بين السياسة والدين، وبين الخلافة وإمارة المؤمنين. فالدين في نهاية المطاف سياسة، والخلافة مدخل لإمارة المؤمنين.
يتفق المؤرخون أن لقب أمير المؤمنين ظهر مع الخلفاء الراشدين، انطلاقا من عهد عمر بن الخطاب. وجاء اللقب لأول مرة لتعويض لقب «خليفة خليفة رسول الله» بعدما عُرِف أبو بكر الصديق بلقب «خليفة رسول الله». وصار اللقب فيما بعد مؤسسة قائمة بذاتها، تحكم وتسود وتشرع.
لم تظهر إمارة المؤمنين إذن في المغرب بل في المشرق. وهي مشتقة من مبدأ الخلافة (أي خلافة الرسول محمد). فالخليفة لا يمكن إلا أن يكون أميرا للمؤمنين. وهو زعيم روحي وميداني، يترأس الأمة وكذا الدولة.
البيعة بمفهوم الصفقة
لُقِّبَ مؤسس الإمارة الإدريسية في المغرب بالأمير، أي القائد، والشريف، نسبة إلى انتمائه لأهل البيت. الدلالة هنا باختصار هي أن الحكم بالمغرب ارتبط مند البداية بتجميع الديني/الروحي و الحربي/السياسي. هي الدلالة نفسها التي استمرت في قيادة أرض المغرب دون سواها. ثم حلت الدولة المرابطية وحل أمراؤها. فالحركة المرابطية، وإن كانت تصحيحية في بدايتها، إلا أنها كانت على أرض الواقع حربية أكثر منها دينية. يوسف بن تاشفين المؤسس بنفسه كان قائد جيش قبل كل شيء. لم يكن مُشَرِّعا لأن مستواه أو تكوينه لا يسمح له بذالك. نفس الشيء ينطبق على أتباعه وأحفاده، رغم تمكنهم النسبي من المعرفة الفقهية والعلمية. واتسمت “الإمارة” أو الدولة المرابطية عموما بنوع من التبعية، ولو نظريا، للمشرق أي للخلافة العباسية.
ستنطلق إمارة المؤمنين من جديد وبشكل صريح مع وصول الحركة الموحدية للحكم. لم يكن طموحها حربيا وسياسيا فحسب، بل كان دينيا وروحيا. ولم يقتصر على بلاد المغرب بتعددها وشساعتها، بل كان شموليا وتدفق إلى الأندلس. أكثر من ذلك: لم يخف الموحدون نواياهم التوسعية في بسط نفوذ الحركة، بالسيف وبالدعوة، إلى بلدان المشرق أيضا. ولهذا أعلن الأمير الموحدي نفسه خليفة. أي زعيما روحيا لجميع المسلمين أينما حلوا وارتحلوا.
شكَّل الحكم الموحدي الاستثناء، شكلا ومضمونا، في تاريخ المغرب. لأنه أقدم على تعديلين أساسيين. الأول أن مؤسس المذهب، ابن تومرت، ادعى المهدوية. والثاني أن مؤسس الدولة، عبد المومن، وصف نفسه «خليفة المهدي» بعد وفاة هذا الأخير وتلقب بأمير المؤمنين. الشيء الذي منح شرعية لاستقلال الموحدين عن خلافة المسلمين في المشرق. وأعطاهم شرعية دينية مطلقة. لأن الإمام/الخليفة أصبح يتمتع بصفة الفقيه الأول. وهذا يعني تهميش الفقهاء وتقزيم سلطتهم. فأصبح الفقه والسياسة وما جاورهم (الفتاوى الحربية والدينية) محتكر من طرف الحاكم بمفرده.
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»