تبنى الموحدون إمارة المؤمنين نظاما للحكم، ولم يعترفوا بالخلافتين العباسية والفاطمية، واعتبر ابن تومرت أن من واجبه إقامة خلافة إسلامية تحكم العالم الإسلامي شرقه وغربه.
حكمت الدولة الموحدية الغرب الإسلامي ما بين 1156 و1269م، وامتد حكمها من المحيط الأطلسي غربا إلى طرابلس شرقا، ومن الصحراء الكبرى جنوبا إلى حدود جبال الشارات بالأندلس. وتبنت الخلافة القائمة على إمارة المؤمنين نظاما للحكم، وتلقب حكامها بالخلفاء وأمراء المؤمنين، بخلاف ما كان عليه الأمر في دولة المرابطين قبلها، وفي دولة المرينيين بعدها. فمع الموحدين، انتقل الغرب الإسلامي من نظام إمارة المسلمين المرابطية التابعة اسميا للخلافة العباسية، إلى خلافة موحدية مستقلة عن المشرق. ولهذا الانتقال علاقة بالشرعية التي كان الموحدون يبحثون عنها لدولتهم الناشئة، خاصة وأنهم ثاروا ضد دولة المرابطين التي كانت تحظى بالشرعية والمشروعية.
لم يعترف الموحدون بشرعية المرابطين لأنهم، في نظرهم، كفار مجسمون، وحكمهم نظام ملك، وهو نظام غير إسلامي، ناهيك على أنه تابع للمشرق، بينما النظام الإسلامي النموذج، في نظر ابن تومرت وخلفائه، هو الخلافة. وهذه الصفة لم تحقق، من وجهة نظرهم، إلا في الخلافة الراشدة. لذلك، لم يعترفوا بالخلافة العباسية لأنها فاقدة للشرعية، وعاجزة عن القيام بأعباء الحكم، إذ كانت تعيش الضعف والانقسام. ولم يعترفوا كذلك بالخلافة الفاطمية الشيعية، فكانت الخلافتان معا عندهم في حكم العدم. وعلى هذا الأساس، اعتبر ابن تومرت أن كل الأنظمة فاقدة للشرعية، وأن من واجبه إقامة خلافة إسلامية تحكم العالم الإسلامي شرقه وغربه، وتخلصه من التمزق السياسي الذي كان يعيشه في القرن 12م.
إمارة المؤمنين: الخلافة والملك
اعتمد الموحدون في صياغة نظريتهم السياسية على بعض عناصر النظرية السياسية الشيعية، خاصة ما يتعلق بالإمامة والمهدية والعصمة، ولم تكن نظريتهم شيعية محضة كما ذهب إلى ذلك البعض، بل إن مهدية ابن تومرت وعصمته أقرب إلى السنة، إذ تقوم مهديته على فكرة إنقاذ الأمة الإسلامية من المفاسد والشرور، أما عصمته فليست كعصمة الشيعة التي تجعل الأئمة فوق الأنبياء، ولكنها عصمة من الظلم والجور والفساد. ناهيك على أن ابن تومرت لم يعتمد الوصية في نقل السلطة منه لعبد المومن، بل خضعت خلافته للنقاش والتداول الذي أفضي إلى القبول بعبد المومن خليفة للمهدي، على أن يلي الأمر بعده أبو حفص عمر الهنتاتي.
عبد الحق الطاهري
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»