اعتمد المغاربة، منذ القديم، الأعراف لتدبير شؤونهم العامة، ومع دخول الإسلام استمر شيوع العرف بين القبائل مع استمرار سيادة البنى القبلية بالمغرب إلى حدود فترة الحماية الفرنسية.
من المتعارف عليه بين الباحثين في تاريخ المغرب أن علاقة المجتمع المغربي بالعرف، باعتباره مجموعة من الضوابط والأحكام على مقتضى المصالح وقاعدة قانونية لضبط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل مجال المجموعة التي تعتمده، قديمة قدم المجتمع القبلي بهذه المجالات، كما أن هذه العلاقة خضعت عبر التاريخ لجملة من المتغيرات ارتبط بعضها بمصالح المجتمع في تغيرها وتطورها، وبعضها بالتطورات الكبرى التي فرضها دخول الإسلام، عبر مراحل، إلى هذه المجالات، فيما ارتبط بعضها الآخر بالعلاقة بين القبائل والسلطة المركزية المغربية، منذ تشكلها إلى حدود العقد الأول من القرن العشرين، وبالتحولات الجديدة التي أفرزها خضوع المغرب للحماية الفرنسية والتي أسفرت عن اعتماد الكثير من التشريعات الوضعية الفرنسية. وفي كل هذه المتغيرات، استمر اعتماد كثير من القبائل المغربية للأعراف دون انقطاع، وإن خضعت لتلك المستجدات تأثيرا فيها أو تأثرا بها.
العرف، على سبيل التعريف
يطلق العرف عادة في اللغة على الشيء المستحسن المألوف، وفي الاصطلاح الفقهي على «ما اعتاده الناس وساروا عليه في شؤون حياتهم»، وعلى «ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول». ثم أضاف له البعض، لتجاوز بعض من الخلاف الذي حام حول هذا التعريف، «شرط ألا يخالف نصا شرعياًّ». أما في معناه القانوني، وخاصة عند فقهاء الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، فهو «مجموعة من القواعد المستمدة من العادات اليومية المألوفة لدى الناس في بيئة اجتماعية معينة، وتتكون بشكل تلقائي ثم تتحول إلى نوع من الإلزام الأخلاقي والقانوني دون أن تستند إلى سلطة شرعية».
العرف إذن هو ما ألفه الناس في معاملاتهم واستقامت عليه أمورهم، ويندرج في إطار ما سمي بالقوانين الطبيعية التي تخلقها الجماعة للضبط والتوجيه والزجر والعقاب أو التعويض…، وقد أسهمت قيوده وضوابطه في تنظيم المجتمعات لأنها فرضت على الأفراد والجماعات إتباعها، ولعله بذلك أقرب للقوانين منه للتقاليد، أو هو إنتاج اجتماعي يعبر عن ثقافة قانونية مطابقة لمستوى تطور المجتمع الذي أنتجه. ويشمل العرف مختلف الأمور الحياتية من بيع وشراء وزواج وطلاق ولباس وقضايا جنائية وسياسية، وغير ذلك مما يمس السلوك العام. ويستمد سلطته من حاجة الناس إلى ضبط علاقاتهم مع أفراد وسطهم ومع الآخر، كما يتخذ مصدره من سيرة الأجداد، ويطبق بفعل الضغط الذي تمارسه الجماعة على الفرد، أو بفعل العادة والاعتقاد بكونه يشكل خطة عملية يمثل اتباعها ضرورة من الضرورات الاجتماعية يفضي عدم الأخذ بها إلى فساد البلاد واختلال نظامها.
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 18 من مجلتكم «زمان»