قصة المغاربة مع الماء طويلة ومعقدة. الماء مصدر الحياة ومصدر العيش. ولكن وبالإضافة لتخصيب الأرض، فالماء مصدر لثروات حيوانية ووسيلة للتنقل عبر البحار والأنهار .وهو ملاحة وسباحة أيضا. إذا استثنينا الوظائف الفلاحية والزراعية، التي اجتهد فيها أجدادنا مند القدم، فإن الوظائف الموازية ظلت مهمشة، وأحيانا مغيبة. وهذا لغز كبير وقائم بذاته تحاول ”زمان”، في هذا الملف، تفكيكه وإعادة تركيبه. الألغاز وعلامات الاستفهام كثيرة ومتشعبة .يكفي أن نشير إلى بعضها : لماذا لم يتخذ المغاربة، على غرار أغلبية جيرانهم، عواصم ساحلية، مع العلم أنهم يتوفرون على ساحلين؟ لماذا لم يستثمروا في التنقل عبر الوديان والأنهار؟ لماذا لم يشيدوا ”أو قليلا” قناطر لعبور المياه؟ لماذا كان “رياس” البحر في غالبيتهم أجانب؟ لماذا كانت الأساطيل من صنع أو قيادة أجنبية؟ لماذا لم تشكل المأكولات البحرية، على كثرتها، طبقا رئيسيا لدى المغاربة؟ إلخ. ملف الشهر يبحر في مياه التاريخ المغربي الغني بالمعطيات التي، ربما، لم يتم اكتشافها أو فك جميع ألغازها. لكل القراء، تحقيق ممتع، وسفر ممتع أيضا عبر الماء.
ظل البحر بشساعته وهيبته، ومنافعه وأخطاره، حاضرا في وعي و“لا وعي“ الإنسان عبر مختلف المراحل التاريخية .ففي عصور مبكرة، أعرضت بعض الشعوب الأوربية والإفريقية عن ركوب البحر، وأبت المغامرة بدخول عرضه، بالخصوص في البحر الأطلنتي .ذاك الخوف والرهبة من التوغل، راجع إلى عدة عوامل ومعتقدات؛ فإزاء ضعف التقنيات وقلة الخبرة، فإن “معتقدات البحر“ سكنت عقول تلك الشعوب وجعلتهم يتوجسون أكثر، بل نهجوا على إثر ذلك نمط عيش مبني على كل ذلك. في ثمانينات القرن الماضي، ذكرت الباحثة حليمة فرحات، وقد يبدو قولها صالحا لحدود الآن على الرغم من ظهور دراسات جديدة، أن «ما نجهله عن علاقة المغاربة بالبحر يفوق بكثير ما نعرفه عنها» .ومهما يكن الاعتقاد حول البحر؛ إما بسبب البيئة الميثولوجية أو المرويات والنصوص الدينية، كما سنرى، فإن البحر تم توظيفه في شؤون سياسية عبر التاريخ: منذ القديم إلى غاية وصول الحماية للمغرب.
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 110 من مجلتكم «زمان»