كان كل هم أبي بكر المجاطي، عند تأسيسه الزاوية الدلائية في سنة 1556 الميلادية، هو الانقطاع للعبادة، وفق ما جاء في كتاب الله وأحاديث النبي، وتقديم النصح وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم. ورغم وصول صدى زاوية أهل الدلاء، ”أيت إيديلا “بالأمازيغية، إلى مجالات أخرى من المغرب، واستقطابها لأتباع ومريدين جدد من بقاع مختلفة في بلاد الإسلام، ظلت تطلعات زعمائها إلى الحكم غائبة، بل إنهم ثبتوا في استمرار مبايعتهم للسعديين، واعترافهم بشرعية السلطة القائمة.
لكن ما إن تزايد الأتباع، وكبرت المجالات التي انتشروا فيها، كان من الطبيعي أن يكبر، أيضا، الطموح السياسي، الذي لن يَحُد أفقه إلا الوصول إلى قصر فاس .وقد كان لتقهقر الدولة السعدية وعجزها عن حماية البلاد والعباد، أمام تكالب الكفار، دور في تحول أهل الدلاء من وظيفتهم التقليدية المحصورة في العلم والدين، إلى ارتداء جلباب الحاكم، في شخص زعيمهم الجديد محمد الحاج، الذي تولى مقاليد الزاوية في عام ،1637 أي بعد 81 سنة من تأسيسها من طرف جده. حسم محمد الحاج أمره، وقاد جيشا هزم به السعديين، ولم يتوقف إلا في فاس، حيث بايعه أهلها سلطانا. غير أن قوس الدولة، الذي فتحه ”الوعاظ” الدلائيون، سرعان ما أغلقه ”الأشراف “العلويون. يتطرق هذا الملف، الذي تعرضه عليكم ”زمان”، إلى مغامرة “أيت إيديلا” القصيرة من البدايات إلى النهاية.
منذ اعتلاء السعديين سدة الحكم بالمغرب، لم يهدأ لهم بال بسبب النعرات والاضطرابات التي حامت حول حكمهم .ورغم ما حققه أبناء محمد الشيخ في معركة وادي المخازن، ومحاولة المنصور الذهبي إقرار الأمن وتقوية إمبراطوريته، إلا أنه وبمجرد مرضه تصاعدت حدة المؤامرات والأطماع للاستيلاء على عرشه. لم يكن المتآمرون من خارج سلالته وعشيرته فقط، بل من أقربائه ونسله، في مقدمتهم ابنه محمد الشيخ المامون، الذي كان واليا على مدينة فاس، وجرّب الانقلاب على والده. إلا أن وفاة المنصور الذهبي المفاجئة شكلت إنذارا بانتهاء حكم السعديين، إذ لما كانت الدولة مرتبطة بشخص السلطان، كانت عواقب غيابه وخيمة .وما إن انتهى أهل فاس من دفن السلطان حتى سارعوا إلى مبايعة مولاي زيدان، الذي كان عاملا على إقليم تادلا، ومستخلفا من أبيه على فاس قبيل وفاته.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 114 من مجلتكم «زمان»