تحضر قضية استقلالية القرار الحزبي اليوم، عنصرا من عناصر الصراع الداخلي في الأحزاب الموروثة عن الحركة الوطنية. في ما يلي عودة لمحطات سبق أن برز فيها هذا النقاش ارتباطا ببعض القياديين في تلك الأحزاب.
يتذكر محمد اليازغي، القيادي سابقا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قصة سمعها من المهدي بنبركة، مفادها أن كلود إيستيي، الصحافي والقيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي، لما كان من ضيوف مؤتمر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1962، ففاجأ بنبركة غداة انتخاب قيادة الحزب، بسؤال معناه: «من من هؤلاء يشتغل لصالح الملك؟». اندهش بنبركة، مستغربا تساؤل محدثه الذي ينطوي على تشكيك في إخلاص واحد من القادة الأحد عشر لرفاقه، وافتراض السائل أن لا يكون ولاؤه خالصا للحزب. لكن الضيف الفرنسي أصر على سؤاله محاولا إقناع بنبركة، بأن تجربة الاشتراكيين الفرنسيين، علمته أن وجود «عملاء» في صفوفهم أمر لا بد منه، يجب فقط معرفتهم، والتحكم فيهم، وعزلهم عن التأثير في القرارات الأساسية.
لا يخلو تاريخ الاتحاد الوطني (ثم الاشتراكي) والأحزاب التي واجهت القصر أثناء سنوات الرصاص، من مسارات لأشخاص غيروا موقعهم أو أفكارهم، أو طالتهم شبهة التعاون مع الخصوم، في مختلف مستويات الأجهزة الحزبية. حتى أن هناك من يفسر مواقف وأحداثا سياسية كانت لها نتائج مؤثرة في حينها، بهذا التفسير «البوليسي للتاريخ».
ظل هذا التفسير هامشيا في تحليل تحولات الأشخاص والمواقف السياسية، على اعتبار أنه لن يفيد سوى قراءة سطحية تسقط من حسابها الظروف الموضوعية، والتحولات الفكرية، وإرادات الفاعلين. لكنه يحضر من حين لآخر، تصريحا أو تلميحا، في بعض السياقات المرتبطة بالماضي. على سبيل المثال، عندما تحدث اليازغي، في مذكراته، عن أن أحمد الحليمي، وزير الشؤون العامة والاقتصادية في حكومة التناوب، استحضر أنه «كان على اتصال دائم بالجنرال عبد الحق القادري، مدير إدارة الدراسات والمستندات (DGED)»، وأن «استعانة» عبد الرحمان اليوسفي به، أثناء تشكيل حكومته، «كانت عنصر مفاجأة لنا في المكتب السياسي»، ليرد الحليمي قائلا: «دوري في الاتحاد الاشتراكي، وعلاقتي بقياداته من المهدي بنبركة والفقيه البصري وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، لا تحتاج إلى أن أدافع عنها»، و«أنه يعرف أشياء كثيرة لا يعلمها اليازغي».
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونة في العدد 15 من «زمان»