لماذا يستمر رفض العديد من الحريات باسم الدين رغم أن الواقع يدل على إقبال متواصل للأفراد على التحرر؟ مفارقة غريبة بين الوعي والواقع، فكيف السبيل للمصالحة بينهما؟
تصدر سؤال الحرية واجهة الأحداث السياسية في المغرب خلال الفترة الأخيرة. تواتر منع العديد من الجماعات والأفراد من حرية التعبير والتنظيم من قبل السلطة على امتداد التراب الوطني. توالت حوادث متفرقة انتهكت فيها حريات أفراد من طرف جماعات هائجة في الشارع. رفع شعار الثوابت الدينية لتحديد سقف النقاش حول الحريات بمناسبة الإعلان عن مسودة القانون الجنائي المعروض للتعديل.
إنه تعبير عن أزمة ثقافية واجتماعية أعمق بكثير من مجرد الصراعات السياسية التي فجرتها هذه الحوادث المتفرقة. إذ يعتقد هؤلاء «المتسلطون» أنهم على حق مطلق في منع الأفراد ضحايا هاته الحوادث من التعبير عن حرياتهم أو ممارستها، لأنها بكل بساطة تتناقض مع الدين. ليس هذا التصور مقتصرا على الأصوليين الذين يتخذون فهمهم للدين برنامجا سياسيا للمستقبل، بل هو شأن الكثير من الأفراد المسلمين غير الأًصوليين بالضرورة، الذين يعيشون انفصاما مستمرا منذ عقود طويلة، بين الواقع المتحرر يوما بعد يوما، والوعي الرافض لمطابقة هذا الواقع والاقتناع بأنه التعبير الأمثل عن المصلحة العامة.
تبدو المعادلة في غاية البساطة، على المستوى النظري، هناك إطار واضح هو الدين، كما يفهمه أي مسلم، يضع حدودا معينة لا يجب على الأفراد تخطيها. ما دونها يمكن أن يعتبر حريات يحق التمتع بها، وما عداها ليس حريات بل منكر يجب تغييره. لكن على المستوى التاريخي، مستوى الوقائع والأحداث، الأمر أكثر تعقيدا. الحريات وقائع حصلت بالفعل في تاريخ البشرية، في زمن ما ورقعة جغرافية معينة، تتويجا لثورات فكرية وعلمية واقتصادية وسياسية. الواقع أن البشر الذين عاشوا هاته الثورات هم الأفضل بين أقرانهم. هم الأكثر حداثة، بدليل أنهم استطاعوا فرضها على غيرهم، وأن هذا الغير ما فتئ يسعى لتقليدهم، ولو جزئيا، ولو دون وعي ودون اعتراف. هل هناك اليوم عاقل يجادل في جدوى حرية الأفراد في اختيار من يحكمهم بواسطة صناديق الاقتراع؟
إسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 22-23 من مجلتكم «زمان» حاليا في الأكشاك