تطلب الأمر سنة كاملة كي يقبل الأمريكيون مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات، وسنة ثانية كي يقبلوا مبدأ الجلاء، ثم ثالثة للوصول إلى اتفاق على موعد الجلاء. كانت هذه هي مسيرة المغرب بين 1956 و 1959في مفاوضاته مع الولايات المتحدة حول قواعدها العسكرية، نجح بعد ذلك في إقناعها بالرحيل بمتم سنة 1963 قبل أن يدخل الحسن الثاني على الخط، ويزيد من عمر الوجود الأمريكي سنوات أخرى.
في أبريل 2013، أعلنت الحكومة المغربية في خطوة مفاجئة إلغاء مناورات الأسد الإفريقي مع الجيش الأمريكي، التي كان من المقرر إجراؤها في طانطان. جاء الموقف المغربي ردا على مساعي واشنطن تقديم مسودة قرار إلى مجلس الأمن لتوسيع مهمة بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهو القرار الذي وقفت الرباط ضده بقوة. في الأخير، رضخت الخارجية الأمريكية لضغوط وزارة الدفاع الأمريكية، وضغوط الحكومة المغربية، وتم تعديل مسودة القرار، بشكل يخرج مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء من اختصاصات المينورسو. يومها، صرح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل، كما نشرت ذلك وسائل الإعلام، أن «الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تجازف بحليف رئيسي مثل المغرب». و في العام الموالي، عادت المياه إلى مجاريها واستؤنفت مناورات الأسد الإفريقي. قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة، أسست الولايات الأمريكية «القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا» (أفريكوم). وطلبت من المغرب، حليفها الاستراتيجي، استقبال مقرها على أراضيه، غير أن هذا الطلب قوبل بالرفض. وبعد مرور 11 عاما، ما يزال مقر أفريكوم في مدينة شتوتغارت بألمانيا، حيث لم تقبل أي من دول القارة السمراء استقباله.
عندما رفض المغرب استقبال مقر أفريكوم على أراضيه، رغم الإغراءات الأمريكية، كانت تجربة القواعد العسكرية الأمريكية فوق التراب المغربي، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تخيم على أذهان المسؤولين المغاربة بالتأكيد. يومها قاد المغرب مفاوضات مريرة قبل أن ينجح في إخراج الأمريكيين.فلما حصل المغرب على استقلاله، رسميا، في مارس 1956، وجد نفسه أمام 5 قواعد عسكرية أمريكية، من بين أكبر القواعد العسكرية في العالم، جاثمة فوق أراضيه: النواصر، سيدي سليمان، بنسليمان، بنكرير والقنيطرة. أنشئت جميعها بناء على معاهدة لم يكن المغرب طرفا فيها: اتفاق 22 دجنبر 1950، خلال عهد الحماية، بين جورج بيدو وزير الخارجية الفرنسية وجيفرسون كافري، سفير واشنطن في باريس. مباشرة بعد الاستقلال، أعلنت الحكومة المغربية أنها لا تعترف بشرعية القواعد الأمريكية، وإن كان وجودها على التراب المغربي أمرا واقعا، داعية الإدارة الأمريكية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. قابل الأمريكيون الدعوة المغربية بتجاهل مطلق طيلة أكثر من سنة (مارس 1956 ماي 1957) ، قبل أن يقبلوا في الأخير الدخول في مسلسل المفاوضات.
في البداية، كانت آمال المغرب لا تتعدى الوصول إلى تسوية لملاءمة القواعد العسكرية مع وضعية المغرب الجديدة كبلد مستقل. لم يكن شعار الجلاء مطروحا بعد. إلا أنه لم تمر سوى أشهر قليلة، حتى رفع المغرب، في نهاية 1957، شعار «الجلاء الشامل والنهائي». عوامل كثيرة ساهمت في تغيير الموقف المغربي، فتحول مسار المفاوضات، وانتقل النقاش من مجرد ملاءمة الوضعية القانونية للقواعد إلى مناقشة الجدولة الزمنية للجلاء. هنا أيضا، تعنت الأمريكيون سنة كاملة قبل أن يقبلوا بمبدأ الجلاء. وتعددت المقترحات والمقترحات المضادة: ثلاث سنوات، عشرون سنة، خمس سنوات، أربع سنوات… إلخ. في الأخير وصل الطرفان، في دجنبر 1959، إلى اتفاق يقضي بجلاء القوات الأمريكية وإخلاء القواعد العسكرية قبل متم سنة 1963. في انتظار هذا التاريخ، كان المغرب مسرحا لتحولات كبيرة، على رأسها وفاة الملك محمد الخامس ووصول ملك جديد إلى العرش: الحسن الثاني. هذا الأخير، كان له رأي آخر في موضوع القواعد.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونه في العدد 20 من مجلتكم «زمان»