مضى نصف قرن على اختطاف المهدي بنبركة، الزعيم اليساري البارز في المغرب والعالم الثالث، دون أن تظهر بعد حقيقة مصيره. كانت هيئة الإنصاف والمصالحة، بعد وفاة الحسن الثاني، أكثر المحاولات جدية لتحقيق هذا الهدف، فلماذا فشلت؟
فتح اعتلاء محمد السادس العرش أفقا أوسع لكشف مصير المهدي بنبركة. ما كان مستحيلا على عهد الحسن الثاني، صار يبدو ممكنا منذ 18 غشت 2000، تاريخ تفعيل السلطات المغربية للإنابة القضائية الفرنسية. كانت تلك أول مرة يحصل فيها تقدم فعلي في هذا الملف المفتوح – قضائيا – منذ أكتوبر 1975، حين تقدمت عائلة المهدي أمام القضاء الفرنسي بشكاية ثانية، بعدما طويت المحاكمة الأولى دون كشف حقيقة اختطافه. كما أن عبد الرحمان اليوسفي وجه، غداة توليه الوزارة الأولى في حكومة التناوب، تعليمات لعمر عزيمان، وزيره في العدل، لتفعيل تلك الإنابة القضائية، لكن تنفيذ هذا التوجيه لم يتحقق إلا بعد وفاة الحسن الثاني.
في ذلك السياق المفعم بآمال الانفتاح، أكد محمد السادس حرصه على كشف حقيقة مصير بنبركة. “أنا على استعداد للمساهمة في كل ما من شأنه المساعدة على معرفة الحقيقة”، كما ورد في الحديث الذي خص يه جريدة “لوفيغارو” الفرنسية بتاريخ 4 شتنبر 2001. اعتبر طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أبرز الأوراش التي فتحت في العهد الجديد، فظهر وكأن هيئة الإنصاف والمصالحة ستكون الممر الأخير نحو كشف مصير المهدي بنبركة، والعديد من المختفين مجهولي المصير، خاصة وأن الصيغة التي أسست بها الهيئة جعلتها توفر ضمانات قوية بعدم التعرض لأي مسؤوليات فردية عن تلك الانتهاكات، وبالتالي تجنب أية متابعة قضائية، مقابل كشف الحقيقة من أجل الإنصاف وتحقيق المصالحة. في حالة بنبركة تكتسي المصالحة مضمونا عميقا. اختطافه لم يستهدف شخصه فقط، وإنما أيضا المشروع السياسي الذي حاول المهدي صياغته وتنفيذه بعد الاستقلال. مشروع كان عمقه استكمال التحرر الترابي والاقتصادي عن فرنسا، ما جعل التيار الذي كان ينتمي إليه بنبركة يدخل في مواجهة عنيفة مع الكثير من الفئات الأجنبية والمحلية التي كانت ترى في هذا التوجه تهديدا لمصالحها.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 25من مجلتكم «زمان»