عاش المغرب السنوات الأولى للاستقلال، وهو ما يزال مصابا بـ”دهشة البدايات”. فقد غادرت سلطات الحماية، فعلا، المملكة. وفيما تركت “مساميرها على المائدة”، دخل الوطنيون في صراعات وجود. في المقابل، كان القصر يتابع ويراقب. في البداية، عرض على الأحزاب الوطنية، التي خرجت من رحم النضالات ضد الاستعمار، المشاركة في الحكم بـ”شروط”. وفي سياق ذلك، عمد النظام، غداة الاستقلال، إلى تشكيل حكومة تجمع بين أطر سبق أن اشتغلت مع الفرنسيين وبين شخصيات وطنية عارضت، دائما، أن يحكمها “الغريب”.
لم يكتب لتلك التجربة النجاح. وحاول القصر، فيما بعد، الانفتاح على المعارضة، وإسناد رئاسة الحكومة إلى أحد الوطنيين، غير أن الاختلافات في وجهات النظر، والخلافات داخل الجهة، التي مثلها عبد الله إبراهيم، عجلت بـ”موت” تلك التجربة في المهد.
ثم مات محمد الخامس بشكل مفاجئ. وكان على الحسن الثاني، الملك الشاب والمتعلم، أن يبحث عن الفريق الذي يمكن أن يحكم معه مع اكتسابه شرعية الشارع.
في تلك الأثناء، عرض نصا دستوريا، يوم 4 نونبر عام 1962، لاستفتاء شعبي حظي بأغلب الأصوات. ومن بين ما نص عليه الدستور أن تتوفر البلاد على برلمان، كمؤسسة دستورية، تعبر الأمة، من خلاله، عن سيادتها. ثم انطلقت سرعة النظام القصوى لتحديد موعد الانتخابات التشريعية يوم 17 ماي 1963. وبين يوم الاستفتاء ويوم الانتخابات، تسارعت الأحداث. وتمخضت، في 20 مارس من العام ذاته، عن إعلان تأسيس حزب “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” بزعامة أحمد رضا اكديرة صديق الحسن الثاني ومدير الديوان الملكي.
أثار ظهور هذا الوافد الجديد، المعروف اختصارا بـ”الفديك”، حفيظة حزبي “الاستقلال” و”الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” بسبب خلفيات من يقف وراءه، كما أثار مخاوفهما من أن تتحرك أجهزة النظام لصالحه، من خلال دفع الناس إلى التصويت على مرشحيه أو عبر تزوير ما أسفرت عنه الصناديق.
في يوم الامتحان، صدقت نبوءة المنجمين، إذ تصدر “الفديك” النتائج بحصوله على 69 مقعدا من أصل 144، فيما حصل “الاستقلال” على 41 مقعدا، و”الاتحاد” على 29، ليختارا معا أن يصطفا في المعارضة ضد حكومة “لا تمثل تطلعات الشعب”.
كان من المقرر أن تستمر ولاية البرلمان، وفقا للدستور، 4 سنوات، غير أن الأحداث، التي تلت افتتاحه لأول مرة في تاريخ المغرب، جعلته يقفل بابه قبل الأوان.
رغم فترته القصيرة، طبع برلمان 17 ماي 1963 التاريخ النيابي بأول ملتمس رقابة قدمته المعارضة ضد الحكومة. لم يُسْقِط الملتمس الحكومة، لكن حالة الاستثناء، التي أعلن عنها الحسن الثاني، في ربيع 1965، أسقطت البرلمان والحكومة.
أي نتيجة
View All Result