ظهرا في فاس، كحاضرة في العصر الوسيط، حرف عديدة برع فيها مهنيوها، وتنوعت بين التي يحتاجها الناس في معيشهم اليومي إلى الحرف الدقيقة كالساعات والإسطرلاب.
من حسن حظ الباحث في موضوع حرف فاس خلال العصر الوسيط، توفره على إحصاءين، أولهما أنجز على عهدي الخليفتين الموحديين المنصور والناصر، ورد في متن “جنى زهرة الآس” لعلي الجزنائي، وثانيهما في أواخر العصر الوسيط، ذكره الوزان في “وصف إفريقيا”، وسواء تعلق الأمر بالجزنائي أو الوزان فإن ما يميز معطياتهما أنهما عاشا معا في فاس، وعاينا أنشطتها. والإحصاءان يكمل بعضهما البعض، كما يسمح الثاني بتلمس مدى التطور أو التقهقر الذي عرفته هذه الحرف في المدة الزمنية الفاصلة بينهما. وفي كل الأحوال، يمكن تقسيم حرف فاس خلال الفترة المعنية هنا بين حرف ارتبطت بالفلاحة وأخرى معدنية وثالثة خاصة بالبناء.
الحرف الفلاحية وذات المواد الطبيعية
يأتي في مقدمة الحرف، التي اعتمدت على مواد فلاحية، حرفة النسيج. فقد تميزت فاس بحرفة الحرير والكتان ومشتقاتهما، وينهض دليلا على تطور هذه الحرفة وجود 3064 تَرْبِيعَة (التربيعة عبارة عن سوق صغير، يعمل فيه بعض الحرفيين كالخياطين ونحوهم) لصناعة الحياكة والأطرزة وفق الجزنائي. أما الوزان، فلم يذكر سوى 180 دارا لهذه الحرفة مما يدل على أن تراجعا ما وقع بين زمن المؤلفين، أو أن إشارة الجزنائي مبالغ فيها، أو أن طبيعة الإحصاء بينهما مختلفة. كما امتلكت الدولة المرينية دار الطراز لصناعة الأنسجة الفاخرة الموجهة لرجالات السلطة وعائلاتهم. يضاف إلى هؤلاء جميعا، أولئك الذين كانوا يمتهنون حرفة النسيج في منازلهم.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 74 من مجلتكم «زمان»، دجنبر 2019