أدرك الموحدون، منذ بداية طموحهم هم في الحكم، ما يمكن أن تضطلع به النقود في مجال الدعاية لشرعتهم الدينية وأيضا لإيديولوجيتهم السياسية .لذلك، عمدوا على أن تتضمن مسكوكاتهم عبارات دينية وآيات قرآنية.
بعدما توسع مفهوم الوثيقة عند المؤرخ، أصبحت المسكوكات من بين الوثائق التي تعتمد في الكتابة التاريخية لدراسة مجموعة من الجوانب سياسية – شرعية كانت أم اقتصادية وغيرها، ويهمنا الشق الأول إذ بواسطة الكتابات التي وضعها الموحدون على نقودهم، يمكن إلقاء أضواء كاشفة على الغايات والأهداف التي سطروها لدعم شرعية حكمهم الذي قام على الخلافة والترويج لأيديولوجيته. منذ البدايات الأولى للعصر الوسيط في المغرب الأقصى، والكيانات السياسية التي عرفها هذا المجال تتوزع بين معلن للاستقلال عن الخلافة في المشرق، وبين مقر بتبعية سياسية فعلية أو اسمية لها. وإذا كان الأمويون في الأندلس والفاطميون في إفريقية والمغرب الأوسط قد أفلحوا في إعلان قيام نظام للخلافة، فإن المغرب الأقصى لم يخض هذه التجربة السياسية على الأقل إلى حدود نهاية أول دولة مركزية فيه، وأقصد الدولة المرابطية.
مع تمكن الموحدين من زمام الحكم في بلاد المغرب، ارتأوا الانتقال إلى تجربة سياسية غير مسبوقة فيه بإعلانهم نظام “الخلافة“ بما يفيد الاستقلال التام عن المشرق، بل الطموح، ولو نظريا، لتسيد عالم المسلمين برمته مغربا ومشرقا، وهم الذين كانوا على بينة تامة من الوهن الذي اعترى الخلافة العباسية في المشرق. ساعد الموحدين في مسعاهم هذا، إعلان عبد المؤمن بن علي، أول خليفة موحدي، (558-525هـ/1163-1130م) انتماءه إلى البيت النبوي، أحد الشروط التي وضعها بعض الفقهاء لتولي منصب الخلافة، وسار الأبناء والإخوة والأعمام من بعده على النهج نفسه، بعد أن أفلح في إقرار نظام سياسي وراثي منذ سنة 548هـ/1153م.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 120 من مجلتكم «زمان»