وجد المغاربة أنفسهم، مثلهم مثل أغلب سكان العالم، يعيشون وضعا استثنائيا يلزمهم بالبقاء في البيوت، والتعايش معه رغم ما يفرزه من تناقضات.
من الأطروحات التقليدية في تعليل الجائحة، الأطروحة الدينية التي ترى في كل جائحة تعبيرا عن غضب إلهي ضد أقوام زاغوا عن الطريق الحق الذي سطره لله للبشر. فسوء التدين أو ضعفه، من خلال ترك الفروض الدينية والإقدام على المحرمات، هو السبب الرئيسي في تعليل الجائحة وتفسيرها من طرف “رجال الدين” في مختلف الديانات بشكل عام. ويذهب هؤلاء إلى القول إن الحل هو العودة إلى الصلاة وإلى الدعاء وإلى طلب المغفرة من لله. إن نظرية الجائحة-اللعنة هاته اخترقت التاريخ البشري وما تزال، وهي نظرية غير علمية لأنها نظرية غير قابلة للتفنيد
(Infalsifiable) . وهذه هي الخاصية، التي تميز كل نظرية لا علمية من منظور فيلسوف العلوم كارل بوبر. وتعني عدم القابلية للتفنيد الخاصة بالأطروحة الدينية استحالة البرهنة العقلانية على خطئها لأنها موضوع إيمان بالأساس. فلا أحد فعلا يمكن له أن يدحض زيف الأطروحة القائلة إن «الفيروس أداة يستعملها لله لمعاقبة بشرية فاسدة طاغية». وبالتالي، ومن هذا المنظور الديني، لا يشكل العزل حلا حقيقيا للجائحة لأنه لا يقتلع جذورها الحقيقية، والمقصود بها كل أوجه عصيان الأمر الإلهي من طرف البشر. وقد اتضح هذا الطرح، مثلا، في عدم اعتبار رجال الدين العازل الطبي الذكري (Préservatif) حلا لمعضلة انتشار جائحة “السيدا”، فذلك العازل ما هو في نظرهم سوى حماية للعلاقات الجنسية غير الزوجية التي هي في نظرهم أصل الجائحة. وهو نفس الطرح الذي عاود نفسه بمناسبة جائحة الكورونا فيروس اليوم. فالعزل الصحي (البقاء في المنزل/حظر التجول) لا يقضي بدوره على الفساد البشري المحرك لغضب الإله. لذا، لا تستسيغ المجموعات المدافعة عن أطروحة الجائحة-اللعنة العزل الصحي المفضي إلى منع صلوات الجماعة وصلاة الجمعة في المساجد. وهي مجموعات ترفض أطروحة «التجمعات في المساجد فرصة لانتشار فيروس كورونا بين المصلين»، متذرعة بالآية: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب لله لنا». فتلك المجموعات الدينية تعتبر عكس ذلك أن العودة الجماعية الكثيفة إلى بيوت لله وإلى الالتزام بالقيم الدينية قمينة بإسكات غضب لله ونيل رحمته وعفوه.
عبد الصمد الديالمي
عالم اجتماع، أستاذ جامعة، الرباط
تتمة المقال تجدونها في العدد 79 من مجلتكم «زمان»