عايش عبد الكريم غلاب فصولا ومراحل متعددة من تاريخ الحركة الوطنية، داخل وخارج المغرب. ابتداء من البدايات الأولى في فاس مع علال الفاسي، مرورا بالقاهرة، قبل العودة إلى المغرب ومواصلة مسيرة سياسية حافلة في حزب الاستقلال، ظل خلالها غلاب الكاتب والأديب يرافق غلاب السياسي على مدى عقود. في ما يلي بعض الجوانب من هذه المسيرة الغنية، في فترة النضال الوطني قبل الاستقلال، من خلال ما تختزنه ذاكرة عبد الكريم غلاب، حول أحداث عاشها وشارك في صناعتها، وأخرى كان شاهدا عليها. لعل من أبرز تلك الأحداث، عملية تحرير البطل محمد بنعبد الكريم الخطابي وعودته المدوية إلى الساحة السياسية الوطنية والإقليمية ابتداء من سنة 1947، بعدما أبعدته السلطات الفرنسية في المنفى لعشرين سنة. في هذا الصدد، يذكر غلاب كيف بلغ نبأ مرور السفينة التي كانت تقل الخطابي من قناة السويس بمصر، وكيف جرى ترتيب عملية تحريره، وماذا كان موقف الخطابي منها بداية، وكيف انتهت، ثم تحليله للأسباب التي جعلت الرجل يختلف بعد ذلك مع الوطنيين في القاهرة. كما يعود بنا غلاب إلى أجواء التكوين الوطني الأولى في فاس، ودور علال الفاسي فيها، والأجواء الفكرية في القاهرة أثناء مرحلة الدراسة الجامعية، وذكرياته عن طه حسين، فضلا عن تحليله للتطورات السياسية التي عاشها حزب الاستقلال في السنوات الأولى التي تلت حصول المغرب على استقلاله.
ماذا تذكر عن بداياتك الأولى في المدرسة؟
نتحدث هنا عن فترة نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي. من حسن حظي أن والدي، رحمه لله، كان أحد المشرفين على المدارس الحرة في فاس آنذاك، وكانت المدارس الحرة تتميز بطابعها العربي الإسلامي، فضلا عن العلوم الحديثة من حساب وجغرافيا وبعض المعلومات عن السياسة العامة في العالم، فكانت فرصة مهمة بالنسبة لنا للتفتح وكانت بداية طيبة. من حسن حظي كذلك، أن القرويين أصبحت تخضع لنظام عصري مقسم على مراحل ابتدائية وثانوية وعالية. لم تعد تعتمد فقط على الأساتذة الشيوخ القدماء الذين كانوا لا يفقهون إلا ما يتعلق بالعلوم الدينية أو علوم اللغة العربية، بل على متنورين علميا وفكريا وسياسيا ومبشرين بالمستقبل. أتذكر من ضمن أساتذتنا في تلك المرحلة، الأستاذ عبد العزيز بن إدريس، هذا الرجل الذي كان يسير في همس ويتحدث في همس ولكنه كان عظيما ومتفتحا يتحدث لنا في كل شيء وخاصة الأشياء الجديدة التي كانت ربما أكبر من سننا. وكان من أهم دروسه درس الإنشاء الأسبوعي الذي كان على كل منا أن يكتبه بتوجيه منه. أذكر أنني كنت متهيبا من الإنشاء، لم أكن أعرف ما هو الإنشاء! لكنني سرعان ما بدأت أتعامل معه تعاملا جيدا، وربما كنت تفوقت في كتابة بعض الموضوعات. لكن كل هذا كان يهون أمام انفتاح أبواب القراءة أمامنا، لأن الأستاذ ابن إدريس وغيره كانوا يرشدوننا لنقرأ ونقرأ ونقرأ، ولا نضيع وقتنا في غير القراءة. كنت أقرأ، مثلا، مجلة “الرسالة” التي كانت تصدر من القاهرة، ولم يمض علي وقت طويل حتى أصبح لي طموح النشر فيها، وبالفعل نشر لي فيها مقال وكان ذلك فتحا مبينا بالنسبة لي.
هل تذكر موضوع هذا المقال؟
أتذكر أنه كان حول الحركة الثقافية في المغرب. بالطبع أخجل الآن إذا قرأته، لكن نشره، آنذاك، كان له وقع عظيم في نفسي. كانت الصحف ممنوعة في المغرب فاتجهت إلى تونس وراسلت جريدة كان اسمها “الزمان” أو ربما “العروة”، في بداية الثلاثينات، وهكذا اتجهت للتخصص في الكتابة.
حاوره الطيب بياض وحسن أوريد وإسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 36 من مجلتكم «زمان»