فرقت التقاطبات في مغرب ما بعدالاستقلال بين المقاومين، بنعبد الله والروداني والحدواي والمسعدي، غير أن ما جمع بينهم هو تعرضهم للقتل على يد «رفاق الدرب» سنة 1956.
تحتفظ الذاكرة الجماعية للمغاربة بذكريات أليمة مرتبطة بالاغتيالات التي استهدفت مجموعة من المقاومين خلال الحقبة الأولى من الاستقلال. ومما يضفي على هذه الذكريات طعم المرارة هو أن الشخصيات التي اغتيلت كان لها دور مهم في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت محورية في محيطها التنظيمي والسياسي، فضلا عن أنها قتلت من طرف مقاومين اشتركوا معهم في مسيرة حصول المغرب على استقلاله. من أهم هذه الشخصيات إبراهيم الروداني، عباس المسعدي، عبدلله الحدواي وعبدالكريم بنعبدلله. ذاكرة كل منهم محفوظة لدى فئة من المغاربة، تخضع للتذكار وإعادة الترتيب حسب الظرفيات والحساسيات السياسية التي تستدعيها. بعض هذه الشخصيات خرج من الواقع التاريخي ليلج عالم الأسطورة، والبعض الآخر طواه النسيان ولم نعد نصادفه إلا كاسم مجرد، مثبت على لوحة لشارع، أو مذكور بسرعة في ثنايا شهادة لفاعل ثانوي. يتذكر الشيوعيون المغاربة عبدالكريم بنعبدلله، ويترحم الاستقلاليون على روح إبراهيم الروداني، بينما يمجد جزء من مقاومي الدارالبيضاء عبدلله الحدواي. أما عباس المسعدي، فالذاكرة الأمازيغية بصدد تحويله إلى أسطورة لدرجة تعويض أصوله السوسية بأصول ريفية.
أولا، انتماؤها إلى أسرة المقاومة وجيش التحرير. ثانيا، تعرضها للقتل سنة 1956 على يد «رفاق الدرب». وثالثا، استمرار الغموض والالتباس حول دواعي وأهداف التصفية التي ذهب ضحيتها كل منهم. كان إبراهيم الروداني رجل أعمال منتم إلى حزب الاستقلال. ساهم في انطلاق المقاومة المسلحة وفي تأسيس الاتحاد المغربي للشغل. مول العمل الوطني ورعى مجموعات من المناضلين. وسيصبح، خلال عقد من الزمن، الرابط العضوي بين السياسيين والنقابيين والمقاومين. عبد الله الحدواي شخصية فريدة. شاب مراهق سيكثف في سنتين ما يعيشه البعض في ستة عقود. سينخرط في المقاومة المسلحة بالدارالبيضاء وعمره لا يتجاوز الخامسة عشر. ستنفجر كفاءاته القيادية والتنظيمية قبل أن تبهر عملياته الفدائية مصالح الاستعمار، وينال تقدير رفاقه المقاومين. هكذا سيصبح، في فترة وجيزة، ليس فقط الخبير في القنابل والسلاح الخفيف، بل العقل المدبر للعمليات والقائد الميداني المنفذ للمخططات. سيجد نفسه بشكل طبيعي على رأس إحدى منظمات المقاومة المسلحة: «الهلال الأسود».
المصطفى بوعزيز
تتمة المقال تجدونها في العدد 7 من مجلتكم «زمان»