إذا كانت الزاوية ضرورة روحية، فإن القبيلة ضرورة أرضية فرضها المجال والصراع من أجل ضمان العيش والاستمرار في البقاء.
طال شح السماء وتفرعنت الشمس تلفح كل شيء باللهيب. جفت المراعي وهربت المياه من العيون والآبار. هزلت الماشية وأصبحت بلا ثمن في الأسواق، وأكل الناس حشائش الأرض والجيف، ورفض العبيد العتق والحرية. هجر الرجال أسرهم، وكثرت الفاحشة لما لم يستطع الشباب أن يعقدوا قرانا أو أن يجهزوا عرسا. تعب السحرة باستعطاف القوى الغيبية، وإغراء المطر بعرائس القصب الزاهية بألوان الورد والرمان، وحزن الفقيه لما خابت صلواته وأدعية التلاميذ محملين بألواحهم المزوقة بالحناء وصفار البيض.
ولما طال الانتظار، عقد كبار قوم القبيلة اجتماعا طارئا. وبعد مشاورات طويلة ومضنية قرروا أن ليس هناك سوى حل واحد مؤلم لكنه ضروري، هو الغزو. إما أن نرحل صوب القبائل التي ما زالت السماء تشفق عليها، وإما سيقضى علينا وتنتشر جثثنا في الوديان والتلال مثل ما تنتشر الهياكل العظمية لماشيتنا. لا يجب أن تأخذنا بهم رأفة، لو كانوا في موقعنا وكنا في موقعهم لفعلوا الشيء نفسه، أقتلوهم ودعوا أطفالهم ونساءهم، ربما احتجنا إليهم كيد عاملة أو كعبيد…
كل ما يمكن أن نفعله هو عدم الغدر، سنعلن الحرب ونقض المواثيق في الأسواق، لقد فعلها بنا قبل ذلك آخرون…
قسطاني بن محمد
تتمة المقال تجدونها في العدد 102 من مجلتكم «زمان»
تحية وتقدير للأستاذ الكريم بن محمد قسطاني