شكلت مدينة تازة، بالنسبة للفرنسيين، محطة فارقة لتحقيق حلم الإمبراطورية الفرنسية في شمال إفريقيا، من خلال ربط المغرب الأطلسي بالمغرب الشرقي ثم الجزائر.
بل إن الضباط الفرنسيين أبلغوا هوبير ليوطي أن التحكم في المغرب لن يتم دون السيطرة على ممر تازة، الشريان الحيوي والموقع الاستراتيجي الهام، والذي يشكل نقطة التقاء بين مجالين طبيعيين متمثلين في المجالين الأطلسي والريفي. فضلا عن ذلك، شكل وجود قبائل، شديدة المراس تتميز بعنادها وضراوتها الحربية الفائقة، عائقا أمام بلورة المشروع الكولونيالي، وهو ما دفع برجالات التنظير الاستراتيجي إلى التركيز على ضرورة تطويع واحتواء هذه القوة البشرية، بدءًا بدراسات سيكولوجية للساكنة المحلية كوسيلة يمكن استغلالها لتفكيك وإضعاف التحالف بين القبائل واللعب على تناقضاتها كوسائل مكملة للعمل العسكري. فضلا عن اعتبارات أخرى، أصبحت تازة أو “مدينة الميعاد” كما وصفها أحد الضباط الفرنسيين، من بين الأولويات المسطرة في أجندة سلطات الحماية التي شرعت في إخضاع هذا الممر وفق خطة استعمارية محكمة، تقوم على أساس السيطرة على المناطق بأقل ما يمكن من التكاليف.
فقد أمر ليوطي، بعد جولة قام بها في المغرب الشرقي، بالاستعداد للتقدم نحو تازة من ناحيتي الشرق والغرب على شكل كماشة، وقد تم تطويق وحصار المدينة من كل الجهات. فمن الجهة الغربية انطلقت القوات الفرنسية من تيسة مستعملة كل وسائل الدمار خاصة الطائرات. أما من الناحية الشرقية، فقد انطلقت من قصبة مسون. وقد تمت عمليات الزحف ما بين 8 و10 ماي 1914، حتى دخلت جيوش الضابط بومكارتن مدينة تازة بدون عمليات كبيرة ودون مقاومة حقيقية.
في 17 ماي 1914، دخل الفرنسيون وعلى رأسهم ليوطي تازة بشكل رسمي، ورفعوا العلم الفرنسي وسط احتفال كبير. “لقد ارتفع العلم ذو الألوان الثلاثة على برج المدينة القديمة… إنها لحظات مؤثرة لا تنسى لأنها تؤرخ لمرحلة من أحسن المراحل في تاريخنا الاستعماري. لقد أصبح المغرب والجزائر منظمين الآن… إنها بالفعل تازة مدينة الميعاد”، يكتب أحد الضباط الذين قادوا الحملة.