لم تخرج وسائل تنقل المغاربة، خلال العصر الوسيط، عن اختيار الحمير والبغال والإبل. وإن اختلفت بين المجالات وبين الأغنياء والفقراء، لكنها ظلت برية ولم توظف الأودية
في بلد متنوع التضاريس من سهول وهضاب وسلاسل جبلية وصحاري، لا مناص أن تكون أشكال التنقل فيه ووسائلها متنوعة بتنوع تضاريسه. ورغم أن المغرب يطل على واجهتين بحريتين مهمتين متوسطية وأطلسية، سيتم التركيز فقط على النقل البري من دوافعه، ولوازمه، ووسائله، ومحفزاته ومحبطاته، متسائلا عن مدى تطور هذا النقل من عدمه طيلة أزيد من ثمانية قرون، زمن العصر الوسيط المغربي، في ظل بنيات اقتصادية واجتماعية وذهنية بطيئة التطور.
دوافع التنقل ولوازمه
بغض النظر عن التنقل الموسمي الذي كانت تمارسه عدة قبائل في إطار عملية الانتجاع المنسجم مع نمط عيشها، فإن دوافع التنقل في مغرب العصر الوسيط كانت عديدة ومتنوعة أهمها التجارة، والعلم، وصلة الرحم، وزيارة الأصدقاء، والزيارة الدينية، هاته التي نشطت منها بشكل لافت زيارة الصلحاء والأولياء ابتداء من القرن 6هـ/12م، منها على سبيل المثال ركب زيارة أبي يعزى، وركب زيارة رباط شاكر، وركب رباط ماسة، ثم تجمع الصوفية السنوي على ساحل البحر المحيط قرب الصويرة.
ومهما تنوعت دوافع التنقل وتعددت، فإنها كانت تتطلب لوازم للقيام بها، وتختلف هذه اللوازم باختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمتنقل، وباختلاف وجهة السفر والطريق التي سيتم سلكها ومسافته وظروفه وفصوله. وفي كل الأحوال، لا تنقل دون مؤونة من زاد وملابس وماء…، فهي عامل أساس من عوامل نجاح التنقل وضمان حياة المتنقل، حتى إن بعض المتنقلين من الأغنياء، كانوا يخصصون لنقلهم دابة ويخصصون أخرى للزاد وأخرى للأمتعة، الشيء الذي يوحي أن التنقل كان «مشروعا كبيرا لا يستطيع القيام به إلا ذوو اليسار». ولمزيد من ضمان مؤونة التنقل، خاصة في المسافات الطويلة، كان بعض المتنقلين يحملون معهم بعض السلع قصد بيعها والتزود «بثمنها بما يحتاجون إليه من زاد وبضائع وسلع أخرى يبيعونها في المحطة الموالية».
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 76 من مجلتكم «زمان»، فبراير 2020