مضت خمسون سنة على صدور “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، وقد كانت واحدة من أجرأ وأمتن الإجابات عن سؤال النهضة، ولبنة أولى في مشروع فكري يقترح برنامجا عمليا لتدارك التأخر التاريخي.
عندما أًصدر عبد لله العروي مؤلفه “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” سنة 1967، كان سؤال النهضة يبدو متجاوزا، إذ الأجوبة عنه بديهية: إما العودة للتراث، كما عند السلفيين الإصلاحيين، أو الثورة الاقتصادية الشاملة التي ستغير كل شيء بالتبعية، كما عند التقدميين الاشتراكيين “العلميين”. لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للعروي، إذ الواقع أن لا شيء يتغير، والحال أن النهضة أو الإصلاح يجب أن تبرز معالمه في الواقع العيني. لذلك، أخذ العروي على عاتقه تعميق التساؤل حول سبيل الخروج من التخلف التاريخي الذي يوجد عليه المغرب، بالذات، ومن خلاله مجمل الفضاء الثقافي العربي، إذ الملاحظ أن دعوات الإصلاح في المغرب متساوقة، أو مستوحاة، مع مثيلاتها في المشرق. كان المنطلق إذن عمليا، من محفزاته النظر في أسباب إخفاق المهدي بنبركة، وتعثر الإصلاح في القرن 19 المغربي، فضلا عن تساؤله حول عدم توصل ابن خلدون لطرح سؤال الإصلاح، بينما طرحه معاصره ماكيافيل…
يبدأ العروي بنقد الإيديولوجيا، أي التصورات المأمولة غير المتحققة في الواقع، التي تنطوي عليها دعوات نماذج ثلاثة من الإصلاحيين: الشيخ الأصولي، رجل السياسة الليبرالي، وداعية التقنية.
«نقول إن هذه التحليلات (الثلاثية) إيديولوجية، لأنها لا تطبق المنهج السليم لدراسة الحاضر والماضي. ولولا أننا نذهب أبعد من هذا الاستنتاج، نقول إن هذه التحليلات إذا تحولت إلى سياسة تخفق لا محالة، وإن التحليلات المناقضة لها تضمن وحدها النجاح. هذا الاستنتاج الثاني هو الذي أسميه أنا “تاريخاني”. فوجب أن أبرره، وأن أؤسس له»، كما يوضح العروي في حديث خص به مجلة “النهضة” (العدد 8، سنة 2014)، وذلك في معرض تذكيره بوحدة وتكامل مجمل إنتاجه الفكري، وانتظامه وفقا للمحاور الأربعة التي ينقسم إليها كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصر”: العرب والأصالة، العرب والاستمرار التاريخي، العرب والعقل الكوني، العرب والتعبير عن الذات.
إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 44 من مجلتكم «زمان»