تحبل ذاكرة محمد الصديقي بالكثير من الأحداث التي طبعت بداية مواجهة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع النظام. فقد اختير الصديقي، من طرف قيادة الحزب، أن يكون مسؤولا في جريدة “التحرير” الفتية. وبصفته تلك، عايش العديد من المحطات، بدءا بانفجار قنبلة داخل مقر الجريدة في أواخر صيف 1962، ثم هجوم الشرطة على مقر اجتماع اللجنة المركزية للحزب يوم 16 يوليوز 1963. في هذا الحوار، يعود النقيب السابق، أيضا، إلى خطابات ملتمس الرقابة، كما يدلي برأيه حول أسباب فشل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي فكر فيها الحسن الثاني في عام 1965.
عايشت في سنة 1961، حين كنت مسؤولا في جريدة التحرير حدث إضراب موظفي وزارة الخارجية الذي كان أول إضراب في هذا القطاع. ماذا تذكر من نتائجه وتداعياته؟
في البداية، لا بد من تسجيل ما تميزت به هذه الحركة الاجتماعية من نجاح باهر، لأن الإضراب شمل جميع مرافق وزارة الشؤون الخارجية، وشارك فيه كل الموظفين والموظفات، بدءا من الأطر العليا بمجملهم، إلى الموظفين والمستخدمين الصغار. بل شارك فيه أيضا عدد من المسؤولين الكبار في بعض السفارات المغربية في الخارج، وكان أبرزهم المرحوم الدكتور المهدي بنعبود الذي كان يتولى مهام سفارة المملكة المغربية بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن في مقابل هذا النجاح الكبير لحركة الإضراب، لجأت السلطات العليا إلى استعمال سلاحها العنيف: سلاح الطرد الجماعي لكل المضربين، وعلى الخصوص منهم الأطر العليا للوزارة، مما ترتب عليه استمرار وضعية الشلل التام لهذه الإدارة لأمر غير يسير. وقد خلفت عمليات الطرد هذه أثارا سلبية جدا على كل من كان ضحية لها، لأنه وجد نفسه، بين عشية وضحاها، في وضعية طرد تعسفي جماعي لم يسبق له مثيل ودون أي اعتبار لنتائجه الوخيمة على المواطنين المعنيين من جهة وعلى كل أفراد عائلاتهم وأسرهم من جهة أخرى.
وفي مواجهة هذه الآثار، لم تكن أمام القيادة الحزبية في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلا أن تعبئ كل طاقاتها لتوفير إمكانيات العمل بالعديد من القطاعات غير الحكومية للأطر المطرودة، وكان النجاح حليفها إلى حد كبير في هذا الإطار.
عشت أيضا حدث وضع قنابل داخل مقر الجريدة في شتنبر 1962… هل عرفتم من كان وراء الاعتداء؟
كان الاعتقاد السائد في كل الأوساط الحزبية والإعلامية، يومها، هو أن عملية الاعتداء لا يمكن أن تكون إلا من تدبير وتنفيذ الأجهزة الخاصة التي كانت قد أنشئت في تلك الفترة للقيام بمهمة واحدة هي ملاحقة ومحاصرة الحركة الاتحادية، ومطاردة وقمع مناضليها ومناصريها، بل والعمل بكل الوسائل من أجل القضاء عليها. لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذه الغاية في ذلك الوقت.
حاوره عمر جاري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 78 من مجلتكم «زمان»