بدأت الحماية القنصلية على شكل امتيازات تمنح لتجار أوربيين. وانتهت بأن وصلت حماها إلى المغاربة الذين تهافتوا عليها، تجارا وشرفاء، وأيضا، بسطاء. ما هو السبب وراء هذه الظاهرة الاستثنائية التي أتت على الأخضر واليابس في مغرب ما قبل 1912؟
كانت حماية الأشخاص في أول الأمر ظاهرة تجارية وجمركية. إذ رأت النور وانطلقت لتؤمن وتحمي التجار الأوربيين، يمكن تشبيههم بالمستثمرين الحاليين. الأمر انطلق كامتيازات، لا أكثر. كان ذلك أساسا في منتصف القرن 18، على عهد السلطان محمد بن عبد لله
(1790-1757)، الذي تميز حكمه بما يعرف بسياسة الموانئ أو المراسي، والتي تعني انفتاح المغرب على التجارة الخارجية وفق معاهدات وضمانات تقدم لهؤلاء الأجانب. وتطور الأمر فيما بعد لتصبح “الحماية” ظاهرة سياسية، بل وعسكرية، تعكس اختلال ميزان القوى وتصاعده لصالح الكفة الأوربية. فأخذت السطوة القنصلية تعبد الطريق لفئات جديدة من الأوربيين لا تقتصر فقط على التجار و”المسثتمرين”. فكثرت الحمايات وتعددت الضمانات وتعمقت.
وهنا يأتي القرن 19 بمستجداته التي كانت كلها تصب ضد مصالح المغرب. فاحتلال الجزائر (1830)، ثم هزيمة إيسلي (1844) ومعركة تطوان (1960-1959)، كل ذلك خلق وضعا جديدا كرسته على الخصوص معاهدة سنة 1856. فابتداء من هاته اللحظة بالذات، انتهى زمن الاحتكار والوصاية المخزنية والسلطانية على التجارة الخارجية المغربية. وانتهى معه زمن “تجار السلطان”. فانطلقت الحمايات القنصلية، خصوصا الأوربية، لتخترق فئات متعددة وغير منسجمة مع المجتمع المغربي.
كريم البخاري
تتمة الملف تجدونها في العدد 69 من مجلتكم «زمان»، يوليوز 2019