كانت عدة أسباب وراء اختيار المولى إسماعيل مكناس عاصمة لملكه بدل فاس، كان من بينها تمرد أهلها، دفعت السلطان الجديد إلى مغادرتها وتعيين “أغلظ القواد والعمال” عليها.
عرفت مدينة فاس خلال تاريخها الحديث، وبالتحديد في الفترة الممتدة ما بين وفاة المنصور السعدي وقيام الدولة العلوية مخاضا عسيرا، حيث اعترت تاريخها حركية دؤوبة تأرجحت بين جدلية التوتر والانفراج في العلاقات بين النخبة الحضرية والسلطة، وكذا نتيجة ما طبع التحركات البشرية بين المدينة وباديتها من مد وجزر، إضافة إلى التقلبات الطبيعية الناجمة عن تواتر سنوات الجفاف والفيضانات والزلازل والأوبئة، ويبدو أن المدينة تفاعلت مع هذه الأوضاع الصعبة بل واجهتها بشكل اضطراري بحثا عن توازنها السياسي المختل، واستقرارها المجتمعي المفقود.
الحاضرة المتمردة
لقد كانت فاس منذ تأسيسها في قلب الأحداث والتحديات والصراعات التي عرفها المغرب، اعتبارا لمركزها كعاصمة لدول كان لها أفق سياسي كبير، إضافة إلى المكانة المعتبرة لعلمائها وجامعها ومدارسها ثم لما احتلته من مكانة اقتصادية متميزة، فكانت لها خصوصيتها التي ارتبطت بتطور السلطة الحاكمة بالمغرب ومدى قوتها أو ضعفها.
بعد وفاة المولى الرشيد سنة 1672م، كان أخوه الأصغر المولى إسماعيل بالعاصمة فاس، فبويع هناك سلطانا بشكل سلس، غير أن قيام ابن أخيه في مراكش قلب الأمور رأسا على عقب. فبعدما توجه للقضاء على تمرده، ثار أهل فاس ضده بزعامة «قائد المحلة السلطانية زيدان بن عبد الملك العامري»، ونادوا بنصرة ابن محرز في الأسواق وغيرها. ولم تشر المصادر للأسباب التي جعلت أهل فاس يتخذون هذا الموقف من السلطان الجديد، موقف لم يتزحزحوا عنه حتى بعد عودته من مراكش حيث خرج الرماة لمواجهته، وأعلن عامة الناس تمسكهم ببيعة ابن محرز.
عبد المالك ناصري
تتمة الملف تجدونها في العدد 48 من مجلتكم «زمان»