قامت التجربة الموسومة بـ«التناوب التوافقي» حول رهانات متعددة، فقد كان مؤملا أن تخلق جوا سياسيا جديدا في المغرب، خاصة في سياق انتقال الملك بين عهدين، وأن توفر إمكانيات سياسية مساعدة على تدارك عجز الميزانية وتجنب «السكتة القلبية»، وأن تكون القنطرة التي يمر عبرها الانتقال نحو خضوع النظام المؤسساتي للمعايير الديمقراطية العصرية.
حول هذا الرهان الأخير، تحديدا، يتمحور هذا الملف الذي تقترحه عليكم مجلة «زمان». فانطلاقا من فرضية أن «التناوب» كان ينتظر أن يؤدي نحو الانتقال الديمقراطي، يطرح الملف السؤال حول لماذا فشل هذا الانتقال في اللحظة التي شهدت الخروج عن «المنهجية الديمقراطية»؟ سؤال لا شك يجد تبريره، كذلك، في الأحداث التي شهدتها بلادنا لاحقا، إذ سرعان ما عاد الإصلاح السياسي والدستوري للانتقال نحو نظام مؤسساتي ديمقراطي ليطرح بقوة أثناء المظاهرات والاحتجاجات التي ميزت بلادنا سنة 2011. كما أن عبد الرحمان اليوسفي، قائد التجربة، نفسه عبر بوضوح عن تعثرها في تحقيق هذا الانتقال، بمناسبة العرض الشهير الذي ألقاه في بروكسيل خريف 2003 بعد مغادرته العمل السياسي. ليس القصد إذن، في هذا المقام، تحليل حصيلة حكومة التناوب وهل نجحت في هذا القطاع أو ذاك؟ فالأكيد أن مغرب ما قبل 1998 يختلف، في العديد من الأوجه، عن مغرب ما بعد 2002. الزاوية الأساسية التي يطمح هذا الملف لمعالجة الموضوع، من خلالها، تنحصر في التساؤل عن الأسباب التي جعلت التجربة تفشل في مواصلة الانتقال نحو نظام مؤسساتي عصري للملكية البرلمانية. ولعلها نفس الزاوية التي اختار عبد لله العروي، المؤرخ المغربي البارز، متابعة التجربة من خلالها، كما يظهر في الجزء الرابع من يومياته «خواطر الصباح»، والذي يولي اهتماما بالغا بطموح الانتقال من التأويل الرئاسي للدستور نحو التأويل البرلماني.
من نافل القول إن الانتقال نحو وضع معين أو الحفاظ على ما هو قائم أو العودة إلى الوراء، تعبر مصالح متناقضة وسط المجتمع. فهل يمكن تعيين الفئات، أو القوى السياسية، التي كانت مصالحها تدفعها للحفاظ على ما كان قائما و«مقاومة» التغيير نحو وضع جديد؟
يحاول الملف تحديد هذه الفئات، وخلفياتها، من خلال استرجاع شريط الأحداث ومواقف كل طرف في اللحظات الحاسمة التي مرت منها تجربة «التناوب»، وهو لا يصدر أحكاما على هذا الطرف أو ذاك، بقدر ما يطمح لفتح آفاق لمزيد من البحث والتحليل…
تنسيق المصطفى بوعزيز وإسماعيل بلاوعلي
تتمة المقال تجدونها في العدد 30 من مجلتكم «زمان»