اضطرت السلطات المغربية ومعها أطياف المجتمع المدني، غداة 16 ماي ،2003 إلى مراجعة كل الأوراق .ففي ذلك اليوم المشؤوم، تغير كل شيء.
لم تكن الدولة تتوقع، أبدا، ما حدث في ذلك اليوم، كأنها استيقظت من كابوس مخيف. حدث ما حدث على الرغم من تنامي تطرف الخطاب الإسلامي، خاصة منذ عودة الجهاديين، وعلى الرغم من توالي التقارير التحذيرية التي صاغتها بعض الأجهزة السرية .وسرعان ما تذكرنا أحداث 11 شتنبر 2001 عندما عجزت السلطات الأمريكية، رغم حنكتها، عن إحباط المخطط الإرهابي.
كانت الصدمة قوية، ودفعت الدولة المغربية، فورا، إلى العمل على إعادة تنظيم أجهزة الشرطة والاستخبارات المختلفة. من هذه الزاوية، يجب أن نفهم انتقال حميدو لعنيكري من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني إلى شقيقتها المديرية العامة للأمن الوطني، التي أصبحت تحت إدارة الرجل الثاني السابق، أحمد الحراري. إذ كانت الفكرة تهدف إلى السماح لـِ لعنيكري بالتحكم في جميع الأجهزة، مع ضمان تنسيق وتواصل أفضل بين جميع الإدارات المسؤولة عن جمع ومعالجة المعلومات. على نفس المنوال، ومن أجل إعطاء مساحة أكبر لـِ لعنيكري ورجاله سواء كانوا في الأمن الوطني أو في مراقبة التراب الوطني، تبنت الدولة قانون مكافحة الإرهاب، الذي كانت مضامينه الرئيسية جاهزة بالفعل، لا سيما القضايا المتعلقة بالاحتجاز لدى الشرطة، وعمليات التفتيش والاعتقالات، بالإضافة إلى إعادة تحديد مهام الإدارات، مثل الشرطة القضائية والنيابة العامة وغيرها، وقد تم تشريعه على عجل، وحظي بدعم من الطبقة السياسية، على الرغم من بعض الانتقادات من المجتمع المدني (جمعيات ونشطاء حقوقيين…). وقد أتاح القانون لأجهزة الأمن بتغطية كاملة لتدخلاتها حتى لا يتكرر ما حدث. وفوق كل شيء، أصبح جمع المعلومات واتخاذ القرار يتمان بسرعة كبيرة.
بالتوازي مع هذا الانعطاف في الخطة الأمنية، قررت الدولة استعادة السيطرة على المجال الديني، وعلى المستوى السياسي أيضا، إذ طُلِب من الأحزاب ذات الميول الإسلامية بالالتزام بالقوانين المنظمة لتأسيس الأحزاب، بل إن دوائر مقربة من السلطة طالبت بحل حزب العدالة والتنمية، وهو ما رفضه الملك. كما أصبح تدخل الدولة واضحا على المستويين، التربوي والعقائدي، من خلال مراقبة مشددة على الكتب المدرسية، ومضامين الخطب في المساجد، وتعيين الأئمة أو تكليفهم، مع استبعاد الأكثر تشددا. تم تبني كل هذه الإجراءات السياسية، الأمنية والإدارية… بشكل فوري، بعد الأسابيع الأولى التي أعقبت الهجمات، وكأن الدولة قالت: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
على صعيد آخر، قررت السلطات التوجه إلى الشباب، وتفعيل رافعة أخرى: الثقافة المحلية والترفيه. هكذا، بدأت “سياسة“ المهرجانات الموسمية، التي كانت موجودة بالفعل كالسينما، الموسيقى والفنون الشعبية… واحتضنتها مدن كبرى، غير أن الدولة قررت اعتماد اللامركزية، حتى تكون حاضرة، أيضا، في المدن المتوسطة والقرى والدواوير البعيدة. كما استهدف الترويج للثقافة المحلية الشواطئ والمخيمات الصيفية، بهدف محاصرة “المخيمات“ التي تديرها الجمعيات سلفية، وعرفت انتشارا، بشكل كبير، منذ التسعينيات.
أمام هذا الانتشار المكثف للدولة، تم دفع المجتمع المدني والطبقة الديمقراطية وكل شخص آخر إلى اتباع الموجة، وتجاهل مظالمهم الشخصية، وتأجيل مطالبهم، وأحيانا معاركهم. منذئذ، استقل المغرب قطارا جديدا، وعلى الجميع، أيضا، أن يركبه، وإلا أن يبقى الرافضون والمترددون على الرصيف…
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 115 من مجلتكم «زمان»