ما يزال مصير المهدي بنبركة مجهولا، ومسار البحث القضائي في ملفه متوقفا، بعد 49 سنة على اختطافه. في هذا السياق، تبرز أهمية الوثيقة، التي تعرضها “زمان”، في تسليط الضوء على آخر ما أراد مختطفوه معرفته من مشاريعه، ودرجة التعاون بين الحسن الثاني وفرنسيين نافذين في الإيقاع به.
ما الذي حصل مع المهدي بنبركة بعد الساعة 12 و25 دقيقة من يوم الجمعة 29 أكتوبر 1965؟ بعد حوالي 50 سنة على اختفائه لحظتها ما يزال الجواب على هذا السؤال معلقا. روايات المدانين والشهود الفرنسيين والمغاربة كثيرة حد التناقض. وكلما تقدم مسار البحث القضائي في اختطاف بنبركة، إلا وتتدخل الحكومتان المغربية والفرنسية لثني القضاء عن الاستمرار. في هذا السياق تكتسي وثيقة «الاستنطاق» الأخير للمهدي بنبركة أهمية بالغة في كشف درجة التعاون الوثيق بين الحسن الثاني وعناصر نافذة في الدولة الفرنسية لاختطاف بنبركة، وطبيعة الهواجس والأسئلة التي كانت تهم الملك والفرنسيين في مشاريع الزعيم الراحل. لا أحد بمقدوره، اليوم، معرفة ما إذا كان المهدي خضع لهذا الاستنطاق الأخير بعد اختطافه أم لا، الشيء الوحيد المؤكد هو أن هناك لائحة أسئلة عثر عليها لدى جورج فيكون، أحد أفراد العصابة التي غدرت بالرجل.
خيط رفيع
انخرط جورج فيكون، وهو رجل عصابات فرنسي، في التحضير لاختطاف بنبركة منذ أبريل 1965. عن طريق الصحافي الفرنسي بيرنيي، لعب فيكون دورا في الإيقاع بالمهدي في فخ اللقاء مع السينمائي فرانجو لتحضير فيلم «باسطا» حول الحركات التحررية، ليتم اختطاف بنبركة من طرف «رجال شرطة فرنسيين» وينقل إلى فيلا بوسيش حيث كان ينتظره محمد أوفقير وأحمد الدليمي وباقي أفراد العصابة. تورط فيكون في اختطاف بنبركة مقابل 160 ألف فرنك فرنسي، وعده بها ميلود التونزي، ضابط الكاب 1 الشهير بلقب الشتوكي (أحد المشمولين بمذكرة التوقيف التي أصدرها القاضي باتريك رامييل في أكتوبر 2007)، كما يشرح ذلك موريس بوتان في كتابه الغني بالوثائق حول القضية «الحسن الثاني، دوغول، بنبركة، ما أعرف عنهم».
أصبح فيكون يهدد بكشف ما وقع للصحافة ما لم يتلق المال الذي وعد به. افتضح أمره وصدرت مذكرة توقيف في حقه يوم 4 نونبر 1965، لكنه ظل حرا طليقا إلى أن عثر عليه منتحرا في 17 يناير من السنة الموالية. في اليوم الموالي وجدت بين أغراضه ورقة تتضمن لائحة من الأسئلة مكتوبة بالفرنسية.
في 27 يناير من السنة ذاتها أعلن وكيل الجمهورية أن الخط الذي كتبت به تلك الأسئلة لا يطابق خط جورج فيكون، وأن بحثا قضائيا يجب أن يشمل الموضوع، لكن هذا الإعلان بقي جامدا ولم يفتح أي بحث في الأمر.
إسماعيل بلاوعلي
التتمة في العدد 13 من «زمان»