تسلم اليسار في المغرب السلطة لأول مرة، بين دجنبر 1958وماي 1960في حكومة ترأسها عبد الله إبراهيم .ووجهت هذه الحكومة اليسارية بمعارضة شديدة لم تقدها أحزاب المعارضة، بل ولي العهد الأمير مولاي الحسن نفسه.
عندما سأل الصحافي الفرنسي، إيريك لوران، الملك الحسن الثاني، في مذكراته، عن المواجهات التي شهدتها سنة 1959 بين والده محمد الخامس والفريق الحكومي بقيادة عبد الله إبراهيم، أجاب الملك دون تردد: «لم تكن المواجهة بين الحكومة ووالدي. بل بيني وبين الحكومة». كان الحسن الثاني يومها ما يزال وليا للعهد، وقاد حملة معارضة شديدة ضد حكومة عبد الله إبراهيم، أول حكومة يسارية في المغرب. وبعد 17 شهرا، نجح في إقناع والده بإسقاطها، وتشكيل حكومة يرأسها هو رسميا وينوب عنه ولي العهد في تصريف شؤونها.
حاول إيريك لوران، عبثا، دفع الملك لتقديم ولو قليل من التفاصيل عن هذه الفترة، بيد أن العاهل المغربي أحجم تماما، وأجاب ببساطة تثير الدهشة: «أقول إن الحسن الثاني نسي تماما خصومات ولي العهد. لم أعد أتذكر ما كنا نختلف عليه. لقد أصبت بالنسيان». ولما أبدى الصحافي الفرنسي استغرابه، رد الملك: «الحكاية ترجع إلى ثلاث وثلاثين سنة». لم ييأس لوران وحاول مرة أخيرة: «المعروف عنكم أن لديكم ذاكرة قوية»، إلا أن الملك وضع حدا للنقاش، واكتفى بالرد: «ومع ذلك نسيت كل شيء». كان واضحا تماما أن الحسن الثاني لا يريد الحديث في الموضوع، ولم يكن بإمكان محاوره أن يستمر في محاولاته أكثر.
اليوم، بعد مرور 55 سنة على هذه الأحداث، يشكل الأمر فرصة مناسبة للعودة إلى فصول هذه المواجهة الشرسة التي «نسيها» الملك، وهو الذي شكل من أجلها، يوم كان وليا للعهد، معارضة حقيقية ضمت دائرته المقربة، وحزبي «الحركة الشعبية» و«الشورى والاستقلال»، وعددا من الشخصيات المستقلة، بل اتسع الحلف ليشمل حتى حزب الاستقلال، عدو الأمس القريب. خلال المواجهة، لم يذخر ولي العهد جهدا في الضغط من أجل تفجير الحكومة، وكان له فيها وزراء مقربون منه أكثر من قربهم من رئيس المجلس. بيد أن بداية حكاية مولاي الحسن وحكومة عبد لله إبراهيم كانت مختلفة تماما، ولا تخلو من مفاجآت.
تتمة المقال في العدد 17 من مجلة «زمان»
خالد الغالي