لدينا في المغرب قضية وجودية، هي وحدتنا، سواء الترابية منها أو الوطنية، ولدينا قضية إبستمولوجية، وهي تحديثنا أو تقدمنا، وكل ما يخدم هذين القضيتين فاستراتيجي، وما عداه فجزئيات. ولذلك، نعتبر اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، مكسبا استراتيجيا مهما للغاية، يُقرّ بوحدتنا الترابية، ويخدم ما نروم من تقدم وتحديث. ولا يخفى على كل لبيب أن هذا الاعتراف يتجاوز اعتراف دولة لواقع، ولحقيقة تاريخية، وإيمان أمة بقضية، بل يؤشر على تحول للمنتظم الدولي وقواه الفاعلة فيما يخص وحدتنا الترابية. فلم تتأخر الخارجية الأمريكية من خلال الناطق الرسمي لها بتأكيد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، الأمر الذي يبدد الشكوك التي حامت حول الاعتراف الأمريكي الأول. لقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، كما يقول المثل… وضعت الولايات المتحدة حدا لما كانت تعتبره الغموض البنّاء لفائدة الوضوح البنّاء. وهل يُشكك أحد في مكانة الولايات المتحدة، ولا دورها، على المستوى الدولي، دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا؟ أليس مكسبا حقا أن تتحول الولايات المتحدة من غموض بنّاء إلى وضوح بنّاء؟ يمكن لمن هو في رؤية إيديولوجية، أو عدمية أن يشكك في ذلك، لكن القمر لا يخفى.
لم تكن الاختراقات الهامة التي سجلتها الدبلوماسية المغربية وليدة الصدفة، بل نتيجة الخيارات التي أجراها، ومنها التوجه الأطلسي .والتوجه الأطلسي ليس مجرد توجه جغرافي، بل إبستمولوجي، أي توجه فكري وحضاري، يتمحور حول الحرية. التوجه الأطلسي خيار استراتيجي لأنه يخدم قضيتنا الوجودية، وهي وحدتنا، وهو ما تأكد من خلال اعتراف مجموعة من الدول الوازنة بالحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل بالصحراء، (وليس مجرد اقتراح جدي) منها إسبانيا، وألمانيا، وهولندا، واعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، وتأكيد الولايات المتحدة اعترافها. وهو خيار استراتيجي لأن من شأنه أن يُسرّع وتيرة تحديثنا.
الدول التي تقدمت في العالم، تقدمت بفضل خيارات استراتيجية في ركاب الغرب، والتي تعثرت هي تلك التي واجهته بالعداء. والعنوان البريدي للغرب، هو البيت الأبيض. هذه حقيقة يحسن أن نُذكّر بها. ورغم الأزمة التي يمر بها الغرب، فليس هناك قوة يمكن أن تنازعه سؤدده، في المنظور القريب، ولو نازعته اقتصاديا .ويظل أهمُّ مصدر قوة الغرب هو قيمَ الحرية، والعقل، والنسبية، وحقوق الإنسان، وهي قيم وإن ظهرت في الغرب، فهي كونية.
لا يمكن إلا أن نُعبّر عن ابتهاجنا لما تحقق على المستوى الدبلوماسي لفائدة وحدتنا، إذ كما ورد في الرسالة الملكية، ردا على الوزير الأول الإسرائيلي، أن الشعب المغربي وقواه الحية عبرا عن بهجتهما لهذا الاعتراف. بيد أننا ونحن نشاطر التطور الإيجابي الذي تعرفه قضية وحدتنا، نعبر عن أمرين:
الأول، هو ألا نبقى في منتصف الطريق، لا دبلوماسيا، فيما يتطابق التوجه الأطلسي، كي لا نبقى في دائرة تربيع الدائرة، أو تدوير المربع، ولا ثقافيا، من خلال انتهاج رؤية حداثية فعلية في منظومتنا التربوية. لا ينبغي أن نقتصر في منظمتنا التربوية تعليم ناشئتنا القراءة والكتابة، وما من شأنه أن يضمن الشغل، بل أن نُكوِّن مغربيا بمواصفات كونية، إن صح هذا التعبير، مما يستلزم النظر في برامجنا وضرورة انفتاحنا من خلال تعليم اللغات، وتغيير مناهج تعليمنا.
والأمر الثاني، هو الحيطة والحذر، لأن التوجه الأطلسي لسوف يغيظ أعداءنا وخصومنا. وقد يركبون الصعب والذلول من أجل مناوأتنا. وإذ نُكْبر ما تحقق على المستوى الدبلوماسي، بفضل الخيارات الاستراتيجية التي انتهجها المغرب وفق التوجه الأطلسي، نُقدّر التضحيات التي يقوم بها حامو الثغور، الذائدون عن حياض البلد وحدوده، والحامون للتوجه السديد الذي انتهجه المغرب.
رُفعت الأقلام، ولم تجفَّ الصحف، ولذلك فالحيطة والحذر واجبان.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير