أهملت كتب التاريخ الوجود المسيحي بالمغرب، لأسباب ارتبطت بموقع من كتب ذلك التاريخ. علما أن البلاد كانت، على مر العصور، محطة عبور التجار والمغامرين، وأيضا محط أطماع القوى السائدة آنذاك، وبالتالي كان من الطبيعي أن يأتوا بعقائدهم ودينهم، سواء كانوا وثنيين أو مجوسا أو يهودا أو مسيحيين…
في مقابل ندرة المصادر حول «نصرانية» المجال المغربي، تكاد الكتابات تجمع على أن المسيحية ظهرت في المغرب مع وصول الرومان في القرن الثاني الميلادي، غير أن انتشارها ظل في حدود استقرار الوافدين الجدد… يتطرق الملف، الذي تعرضه عليكم «زمان»، إلى علاقة الكنيسة مع السلطة الحاكمة في المغرب، بدءا من المرابطين إلى العلويين. وأيضا إلى محاولات الفاتيكان إقناع خلفاء باعتناق دين يسوع، كما يتطرق إلى حمل عدد أمراء مغاربة للصليب، أبرزهم ابن المتوكل أو «المسلوخ»، الذي قضى في معركة واد المخازن، ومولاي أحمد أحد أحفاد السلطان مولاي إسماعيل، الذي أصبح يحمل اسم لورنزو بارتولومو لويجي تروخانو بعد تعميده.
قد يفاجأ المرء لما يعلم أن سلاطين المغرب كانوا، على امتداد قرنين أو أكثر، موضع اهتمام الكنيسة التي حاولت “تنصيرهم” أو “نصرنتهم”. بل وقد يصدم أيضا، والسبب بسيط؛ فالتاريخ الإسلامي الرسمي، العربي والمغربي على الخصوص ومنه المغربي، يزخر بقصص “العلوج”، من طبقة الفئات الشعبية وأيضا من النبلاء علية القوم، بغض النظر عن الملوك والأمراء المسيحيين، الذين اعتنقوا الإسلام، أو على الأقل كانوا على وشك الدخول فيه.
وحتى الثقافة والذاكرة الشعبية لا تحافظ إلا على قصص، أساطيرا كانت أم وقائع تاريخية، لعلوج ونصارى و«كفار ومشركين» اعتنقوا الإسلام. أما العكس، فلا وجود له في المخيال الشعبي.
يبدو الأمر بديهيا، لأن المعروف والمتداول أن ميزان القوى كان يميل، عبر القرون وحتى مراحل متقدمة من العصر الوسيط، لكفة العرب والمسلمين، على حساب “الإفرنج” المسيحيين. هذا ما تشهد به كتب التاريخ المتداولة بيننا بشتى أشكالها.
إلا أن هذه “الحقيقة” تبقى نسبية، إن لم نقل نظرية فقط. فإن كان السلطان مولاي إسماعيل حاول “أسلمة” ملك الإنجليز الذي أسماه “يعقوب” (وهو جاك الثاني)، فيما يشبه “النصيحة”، على عهد الملك لويس الرابع عشر، المعروف بملك الشمس، في أواخر القرن السابع عشر، فإن الأمر كان، خلال قرون مضت، يكاد يكون طبيعيا، خصوصا في الاتجاه المعاكس.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 78 من مجلتكم «زمان»